Syria, A New Mine for the Obama Administration

<--

سوريا لغم جديد يواجه إدارة أوباما

الجمعة ديسمبر 12 2008 – محمد السعيد ادريس

لم ينشأ التصعيد الأمريكي الجديد ضد سوريا من فراغ، والإيحاءات الغامضة التي وردت على لسان محمد البرادعي المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية بخصوص مزاعم وجود برنامج نووي سوري من دون إذن مسبق من الوكالة، هي الأخرى لم تأت من فراغ، تماماً كما أن الغارة الأمريكية التي قامت بها طائرات وقوات أمريكية على منطقة البوكمال على الحدود السورية – العراقية، لم تأت من فراغ، إذ ان كلها تطورات وعمليات مدروسة لها علاقة مباشرة بالتركة التي تريد إدارة جورج بوش توريثها للإدارة الأمريكية الجديدة، برئاسة باراك أوباما، على غرار علاقة الاتفاقية الأمنية التي ظلت تضغط إدارة بوش لإجبار الحكومة العراقية على القبول بها قبل نهاية عهد إدارة بوش، وقبل أن يحل الموعد الرسمي لانسحاب القوات الدولية من العراق نهاية العام الجاري.

فإذا كانت إدارة باراك أوباما الجديدة قد ألمحت على لسان رئيسها وبعض مستشاريها إلى أنها سوف تسعى إلى تفكيك الأزمات من أجل حلها الواحدة تلو الأخرى بهدف تحسين السمعة الأمريكية عالمياً، فإن إدارة بوش تحرص على أن تحول بين إدارة أوباما وهذا الهدف، وعلى الأخص بالنسبة لإقليم الشرق الأوسط، وبالتحديد الملفات الثلاثة الساخنة: ملف البرنامج النووي الإيراني والملف العراقي، وملف الصراع العربي “الإسرائيلي”.

فإذا تأملنا هذه الملفات سنجد أن سوريا تقع في القلب منها، سوريا هي الحليف الأهم لإيران، وهي معبرها الرئيسي وربما الوحيد إلى لبنان وإلى فلسطين، وسوريا هي المتهم الأول بتمرير المتطوعين للقتال في العراق ضد الأمريكيين، وهي الدولة العربية الوحيدة التي أعلنت، وصراحة، رفضها للاتفاقية الأمنية الأمريكية مع العراق، وسوريا هي الدولة المتهمة بزعزعة الاستقرار في لبنان والاستقرار المعني هنا هو تلك الحالة السياسية التي تعطي للقوى اللبنانية الموالية أو الصديقة لواشنطن القدرة على التحكم في مقاليد السلطة والقرار السياسي اللبناني وعلى الأخص قرار تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وسوريا هي المتهمة بدعم وإيواء قوى الرفض الفلسطيني لمشروع السلام الأمريكي بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.

لذلك فإن التصعيد ضد سوريا، وفي هذا الوقت بالذات الذي تطوي فيه إدارة بوش ملفاتها استعداداً للرحيل يكشف نية هذه الادارة وعزمها على توريط إدارة أوباما في صراع مع سوريا له أبعاد أشمل من كونه أمريكياً سورياً، بحيث يصعب على هذه الادارة احتواءه دون مشاركة أطراف دولية أخرى بعضها شريك لإدارة بوش في مشروعها الراهن بالشرق الأوسط، ومن هنا جاء التركيز على خلق أزمة سورية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

المعلومات الجديدة التي تعمد الدبلوماسيون تسريبها تقول “إن بعض العينات بها آثار مركب يورانيوم معين، لكنها ليست كافية لاستنتاج أو إثبات ما كان يفعله السوريون”، وقال البعض “إنه مكون مصنوع وليس خاماً طبيعياً”، كما انه “لا توجد إشارة إلى انه كان هناك وقود نووي بالفعل أو نشاط (انتاج)”، والخلاصة ان هذه العينات “تثير الكثير من الاسئلة”.

هذا هو الهدف.. أي تفجير أزمة حول وجود ملف نووي سوري خارج اطار مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، على غرار ما حدث مع إيران، والدليل تلك المعلومات الاستخبارية فقط، والتي يتضمن بعضها صوراً يقولون انها للمفاعل السوري قبل أن تدمره الطائرات الإسرائيلية، الأمر الذي دفع البرادعي إلى استنكار التأخير في تقديم هذه المعلومات وعدم ابلاغ الولايات المتحدة الوكالة بها، قبل قصف الموقع وتدميره، أي المعلومات والصور المقدمة هي لموقع غير موجود، وأن المطلوب من الوكالة هو التأكيد انه “كان” موقعاً نووياً، البرادعي لم يستطع ان يمنع نفسه من القول “ان ذلك سيجعل من الصعب على الوكالة المكلفة بمراقبة تنفيذ معاهدة حظر الانتشار النووي التأكد من الحقائق، لأن الجثة اختفت”.

المطلوب هو محاسبة ومحاكمة سوريا

بأثر رجعي، ليس هذا فقط بل أن تكون المحاسبة على اتهام ليس له أي مصدر إلا معلومات أمريكية.

رغم ذلك فإن البرادعي لم يستطع ان يفلت من الضغوط الأمريكية واضطر إلى التعليق على المعلومات التي جرى تسريبها بعبارة غامضة كما هي عادته، تعطي للأمريكيين ما يريدون وتحافظ شكلياً على حياديته ومهنيته. قال البرادعي “كان هناك يورانيوم، لكن ذلك لا يعني انه كان يوجد مفاعل، ولكن (اليورانيوم) لم يكن عالي التخصيب، يمكن ان يكون أتى عبر طرق عدة ومختلفة، ولهذا فإننا نبحث عن سيناريوهات عديدة مختلفة”.

غموض يكفي لفتح ملف سوريا أمام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهذا ما تريده إدارة بوش الآن كي يبقى الشرق الأوسط ساحة مليئة بالألغام شديدة الانفجار أمام إدارة أوباما كي تبقى متورطة في الملفات التي لم يستطع بوش انجازها.

محمد السعيد ادريس

About this publication