Evaluating America’s Failure

<--

تقويم الفشل الأمريكي

الخميس ديسمبر 25 2008 – عدنان السيد

في تقويم عام لسياسته قبل مغادرة البيت الأبيض، قال الرئيس جورج بوش إنه “يترك أساسات صلبة يستطيع الرؤساء المقبلون، والقادة العسكريون الأمريكيون البناء عليها”.

إن أبلغ ردٍ على هذا الادعاء جاء مع انتخاب باراك أوباما، المرشح الديمقراطي الأسود، رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية. لأن هذا الانتخاب عبر عن رفض واضح من الجمهوريين والديمقراطيين معاً لسياسة الرئيس بوش. ولا داعٍ لاجهاد النفس كي يتبين المراقب الآثار السلبية لهذه السياسة. تكفي متابعة المشهد المأساوي العالمي اليوم على الصعيدين المالي والاقتصادي، وتالياً السياسي.

يترك بوش الرئاسة مع اقتصاد متعب، وامبراطورية هرمة تنوء تحت ثقل أكبر وأخطر أزمة مالية واقتصادية في هذا العصر. لقد تسلّم مقاليد السلطة والدين العام لا يتجاوز خمسة تريليونات دولار، وسيغادر البيت الأبيض والدين العام يصل إلى أحد عشر تريليون دولار، وقد يزداد بفعل السياسات الاقتصادية الخاطئة، والحروب الوقائية والاستباقية بحجة مكافحة الإرهاب.

أما الإرهاب فقد تضاعف أربع مرات في العالم، قياساً بما كان عليه في 11 أيلول 2001 هكذا تقول مراكز البحوث والدراسات الأمريكية. والسؤال المطروح: لماذا وقعت حربا أفغانستان والعراق، والحال هذه؟

المحافظون في إدارة بوش، بزعامة ديك تشيني وبول ولفوفيتز زوروا تقارير الاستخبارات الأمريكية حول أسلحة الدمار الشامل في العراق، واستبدلوا عبارة “ربما توجد أسلحة دمار شامل”، بعبارة “توجد أسلحة دمار شامل”. هذا على سبيل المثال. وها هي حرب البيانات والتصريحات تستمر بين أركان هذه الإدارة المتهاوية.

ويتحدث الرئيس الأمريكي عن استعادة الحرية في العراق! صحيح أن عهد الرئيس السابق صدام حسين كان مأساوياً، بيد أن السؤال: هل تحسنت أحوال العراق مع قتل مليون مدني عراقي بعد احتلال بغداد؟ وهل سرقة نفط العراق ومال العراق تنسجم مع شعارات حقوق الإنسان، بعدما جاء الإنسان العراقي أسير الجوع، والأمن المهدد، وسجون (أبو غريب) و(غوانتنامو)؟

أما أفغانستان الواقعة تحت وطأة التهريب، تهريب المخدرات في عهد السيطرة الأطلسية العسكرية والأمنية واستعادة حركة طالبان سيطرتها على جزء واسع من بلاد الأفغان، فإنها مجهولة المصير كدولة وكمجتمع.

لم يتهدد الأمن الدولي إلى هذا الحد إلا في عهد جورج بوش. الاحتباس الحراري يلف العالم، ويصيب بأضراره المساحات الزراعية، والبيئة الطبيعية، وتالياً الإنسان، والعنف والإرهاب يزدادان، ويتسعان على مستوى العالم، وسط قلق واضح على المصير.

هذا ما حدا بالرئيس المنتخب باراك أوباما إلى اعتبار معالجة ظاهرة الاحتباس الحراري أولوية في سياسته العامة بالتزامن مع البحث العلمي عن بدائل الطاقة النظيفة مع تفاقم أزمة النفط في التجارة العالمية.

إلى ذلك، يحمل الرئيس بوش مسؤولية فشل تسوية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي لياسر عرفات، وتوسعية أرييل شارون، وكأنه يساوي بين صاحب الحق في الوطن ومحتله ومشرد شعبه. لم يعترف هذا الرئيس بأنه مارس حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن مراراً وتكراراً لمنع إدانة إسرائيل دوليا. حتى مجرد الادانة كانت ممنوعة، بحجة حماية أمن إسرائيل. أما أمن الفسطينيين فإنه ساقط وغير موجود.

قبل ذلك وبعده، سيذكر التاريخ الحديث أن الولايات المتحدة الأمريكية في مرحلة جورج بوش سببت وقوع أكبر أزمة مالية في العالم، وقد تحولت الى أزمة اقتصادية. بالطبع هناك مسببات أخرى غير أمريكية، بيد أن الدور الأمريكي كان محورياً.

يصعب التكهن بقدرة الإدارة الأمريكية الجديدة على معالجة هذه الأزمة التي قد تمتد طويلاً، وهي ستفضي بلا شك إلى تغييرات بنيوية في النظام المالي العالمي، وفي موازين القوى الدولية المتنافسة. ما هو واضح، حتى الآن، تراجع مقولة النظام الدولي ذي القطب الواحد المسيطر، أو تراجع نظام الأحادية القطبية. ما هو أبعد من ذلك يصبح نوعاً من التوقع غير المحسوم.

لقد تكرست التعددية في قمة العشرين للدول الناشئة، إلى جانب الدول الصناعية الكبرى. وهناك اتجاه عالمي لاشراك المنظمات الدولية والإقليمية في معالجة الأزمة الراهنة، بعد تعديل هيكليتها وأدائها تحت عنوان “تعزيز الرقابة والشفافية”. فالتعددية، والحال هذه، لا تقتصر على الدول الكبرى، وإنما تشمل في ما تشمل تعاظم دور المنظمات والشركات العالمية، وقد يبرز دور الأفراد القادرين مالياً وسياسياً على مستوى قمة النظام الدولي.

عدنان السيد

About this publication