America Brought Hamas to Power: Why the Betrayal?

<--

أمريكا هي من أوصلت “حماس” إلى السلطة .. فلماذا الانقلاب عليها؟!

محمد بن عبد الله الشريف

كلنا نستطيع أن نذكر ونتذكر جيدا الضغوط التي مارستها أمريكا, ممثلة في رئيسها المتأهب للمغادرة, ضمن دعوتها, غير البريئة, للدول العربية عامة, لإفساح المجال أمام شعوبها للتعرف على أشكال صناديق الانتخابات, وممارسة حقهم من خلالها في اختيار ممثليهم في المجالس البرلمانية التي تنبثق عنها الحكومات التي تقود بلدانهم, وإصرارها على السلطة الفلسطينية بالذات, على إجراء انتخابات لا يعتريها أي شائبة, وهي تفكر, كما أوحت لها إسرائيل, بأن تلك الانتخابات كفيلة بإبعاد تلك الفئات التي ترخص عندها الأرواح, عندما يتعلق الأمر بالكفاح, مثل حماس, لكن نتائج الانتخابات خيبت ظن أمريكا, رغم شهادتها بتفوقها في النزاهة على الانتخابات التي أوصلت بوش نفسه إلى السلطة, فأسقط في يدها حين فوجئت بالأغلبية المنتمية إلى الحزب أو الحركة التي يرعب إسرائيل ذكر اسمها, تكتسح البرلمان الفلسطيني, ثم تفوز بتشكيل الحكومة, وتبدأ بتنظيم طريق الكفاح المسلح المشروع, عندها أيقنت أمريكا أن تلك ليست الديمقراطية التي قصدتها, فأوحت إلى إسرائيل ما أوحت من اعتقال نواب الشعب وممثليه أعضاء البرلمان بمن فيهم رئيسه الشيخ الوقور, بل محاكمتهم على فوزهم بثقة الشعب, ما نتج عنه تعطيل الحياة الديمقراطية التي طالما دعت إلى ممارستها في الدول العربية, بيد أنها دعوة لم تعد تجرؤ على إثارتها بعدما عرفت نتائجها في فلسطين, خوفا على تفتيح الأنظار على مصالحها في بعض الدول العربية!.

أتيت بهذه المقدمة تمهيدا للتعليق على ما يجري في قطاع غزة من جرائم تعجز الكلمات عن وصفها, ولو أن ما يجري كان موجها إلى العنصر العسكري أو من تدعي إسرائيل أنهم يقودون السياسة, لوجد العالم بعض العذر, أما أن تشمل الغارات تهديم المنازل ودور العبادة والعلم, وتقطيع أجساد الأطفال والنساء والمدنيين, فهو جريمة وحشية نهت عنها كل الأديان السماوية, لكن العالم سكت عنها, رغم إرادة الشعوب التي عبرت عنها بالمظاهرات في كل مكان.

أود أن أنقل في الأسطر القادمة بعض المشاعر التي تدور في الشارع العربي, وأرى أنها تكفي للتأمل والاعتبار, مما حدث ويحدث في غزة ليل نهار.

1 ـ هناك رائحة فيما حدث في غزة, مما حدث في لبنان عام 2006, سواء من حيث طريقة الحرب والتركيز فيها على إضعاف قوة حماس العسكرية والسياسية, ومن حيث القصف العشوائي من الجو, وعدم القدرة على التركيز على أهداف محددة بذاتها, أو تحاشي ضرب المدنيين, والتشابه موجود أيضا في ردة الفعل العربية والدولية الضعيفة والبطيئة التي توحي وكأن هناك توافقا خفيا على منح إسرائيل الفرصة لتنفيذ قائمة الأهداف التي رسمتها, قبل أن يتم أي تدخل فعلي لإيقاف الحرب, وبدت الأمور وكأن الكل يشمت في حماس بدعوى انقلابها على السلطة, في وقت لا يتسع للشماتة, بقدر ما يتسع لإنقاذ الكرامة العربية, إن بقي منها شيء. هذا رغم أن الضمائر التي لم تمت بعد تتساءل بمرارة: من انقلب على من؟! ومع أن الإجابة واضحة فلا أحد يجرؤ على البوح بها.

2 ـ إن بعض الدول العربية غير متحمسة لحماس, بسبب ما يقال عن صلاتها بإيران أو حزب الله, لكن ما يخشى منه هو أن ينشأ عن موقف هذه الدول فراغ لا يسده إلى تعزيز تلك الصلات بعد أن وجدت حماس نفسها وحيدة في المواجهة! حتى التأييد المعنوي والسياسي ضن به البعض! ألم يسمع الجميع حسن نصر الله وقد وجد في ذلك الفراغ دافعا لزيادة المجد الشخصي والشهرة, بل التشهير!

وكثيرا ما يتردد سؤال مفاده: إذا كانت أمريكا تجاهر علنا بوقوفها مع الحرب على غزة, ومعظم, إن لم يكن كل آلات الحرب من أمريكا, أفلا يكفي هذا لوقوف الدول العربية ضد هذا التدمير تنفيذا لميثاق الجامعة العربية وميثاق الدفاع المشترك, التي تقضي بأن أي اعتداء على دولة عربية يعد اعتداء على الدول العربية مجتمعة؟!

3 ـ إن القضية ليست قضية الفلسطينيين وحسب, بل هي قضية عالمية, إسلامية, عربية, عالمية لأن ما يحدث يشكل اعتداء على مبادئ السلم, وخرقا لميثاق الأمم المتحدة وقراراتها حول القضية ذاتها, وتحديا سافرا لكل حقوق الإنسان واتفاقياتها ومنظماتها. وإسلامية لأن فيها انتهاكا لحرمة الأراضي المقدسة وذروتها القدس والمسجد الأقصى, وضد مواثيق منظمة المؤتمر الإسلامي ومبادئ الحياد, وعربية لأنها تمتزج بالدم واللغة والعرق والدين, وسبب رئيس لما تعانيه الشعوب العربية من قهر وانكسار, لكن مع ذلك كله فالكل ساكت, وأكرم جيران غزة من تبرع بدمه أو أرسل أدوية أغلقت دونها المعابر, حتى مات من مات بسبب نقص المعدات والأدوية وعجز المستشفيات! ألم يكن حريا بالدول العربية التي ترفرف أعلام الكيان الصهيوني على عواصمها أن تسحب سفراءها وتطلب من سفراء الكيان المغادرة, ولو مؤقتا, من باب أضعف الإيمان؟ مراعاة لمشاعر شعوبها واستجابة لنداءاتهم.

4 ـ ما يلفت النظر هو الدور الذي تحاول تركيا القيام به من خلال رئيس وزرائها (الطيب) أردوغان, الذي امتطى نعليه وطائرته ليجوب الدول العربية, عندما وجد الساحة خالية, من أجل تسجيل نقاط في ميزان العلاقات العربية ـ التركية, وهو يعلم سلفا مدى فشل مهمته, وهو يجوب العواصم العربية بحثا عن مجد ربما يستثمره لتحقيق أمجاد أخرى على حساب القضية, فما الذي يبحث عنه مما عجزت عنه الزعامات؟ وما الوساطة التي يمكن أن تتم بين الجلاد والضحية؟ إلا إن كان ذلك يأتي في سياق التسويف وتضييع الوقت حتى تقضي إسرائيل وطرها! ألم يكن حريا بتركيا, إن كانت تريد فعل الخير للعرب, ولو من باب التكفير عن (مآثرها) خلال ستة قرون من الاحتلال, أن تجهر بصوتها في الأمم المتحدة لحملها على اتخاذ قرار يرفع الظلم؟ وهذا يكفي منها.

5 ـ أما من يتذرعون ويبحثون عن مسوغ لسكوتهم بأن حماس هي السبب بإطلاقها الصواريخ, فعليهم أن يسألوا أنفسهم أليس حق الدفاع عن النفس والعرض والشرف مشروعا لمن احتل بيته وانتهكت محارمه وقتل أبناؤه؟ ماذا سيكون موقفهم لو تعرضوا لمثل ذلك؟

أما تلك الصواريخ, التي يعد اختراعها وتصنيعها محليا حسنة من حسنات الاحتلال, إن كانت له حسنات, فهي الوسيلة الوحيدة التي لم يجد الفلسطينيون غيرها لكي يجعلوا الإسرائيليين يتكدسون في الملاجئ ويسهرون على هاجس قصفها, ويكفي الفلسطينيين فخرا أنهم يقضون بها مضجع كل إسرائيلي, حتى إن لم تسقط عليه.

أخيرا, فإن الغلبة في النهاية ستكون لأصحاب الحق, حتى لو دمرت إسرائيل غزة كلها, وقتلت الألوف وليس المئات, فالفلسطينيون يتكاثرون بنسبة تفزع الإسرائيليين الذين لم يعودوا يجدون حتى وقتا هادئا للتكاثر.

ولنأخذ العبرة من قول الله تعالى “ولقد, إنهم لهم المنصورون, وإن جندنا لهم الغالبون, فتولّ عنهم حتى حين, وأبصرهم فسوف يبصرون, أفبعذابنا يستعجلون, فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين”. (الصافات: الآيات: 171 ـ 177). والله من وراء القصد.

About this publication