يلتزم الرئيس المقبل أوباما حاليا بالحكمة القائلة: اذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب, يلتزم بذلك إزاء تصاعد التوتر العسكري بين الهند وباكستان.. أيضا تجاه تهديدات روسيا بنصب صواريخ قادرة علي ضرب الناتو.. ولكن كيف يكون السكون من ذهب تجاه تلك المشاهد المدمية للقلوب التي تأتيه من غزة علي شاشات التليفزيون, وتأتيه غالبا في تقارير المخابرات؟ صمته بالنسبة لهذه المأساة هو سلوك يتسم بالمكر والحذر.. ولابد أنه استنتج أن اتخاذ موقف صريح أبعد من التعبير عن القلق سيكون أخطر من اتهامه بالسلبية, لأن كلامه ببساطة سيحبط الفلسطينيين والعرب, حتي ولو التزم أقصي درجات الدبلوماسية..
هو يبرر صمته بالحرص علي احترام التقاليد ووجود بوش رئيسا حتي الآن, خاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية, وإن كان قد تجاوزه فيما يختص بالأزمة المالية والشئون الداخلية.. أما أزمة غزة التي اشتعلت نيرانها في وقت مناسب تماما بالنسبة له, فيمكن التعرف علي موقفه منها فيما قاله خلال زيارته لإسرائيل في يوليو الماضي, أي خلال حملته الانتخابية.. قال إنه سيكون متفهما للرد الإسرائيلي علي الهجمات الصاروخية من غزة.. وأنه اذا ما أطلق أحد صواريخ علي بيته حيث تنام ابنتاه, فسوف يفعل كل ما يستطيعه ليوقف ذلك.. وأنه يتوقع من إسرائيل أن تفعل نفس الشئ.. وقال إنه لن يفكر حتي في إجراء محادثات دون تحول جذري في سلوك حماس.. وتحدث طبعا عن علاقات خاصة بإسرائيل.
ولكن كلام الحملة الانتخابية مرتبط دائما بمصالح انتخابية, وقد تضطره التطورات الي تعديله بعد توليه المسئولية.. فبماذا سيصرح حينئذ؟ مجرد مواقف أمريكية معروفة.. تنديد بالعنف.. مطالبة إسرائيل بالتهدئة بشرط أن توقف حماس اطلاق الصواريخ والمصالحة مع السلطة الفلسطينية.. وأخيرا مطالبة العرب خاصة مصر بالضغط علي حماس.. وبالقطع كل ما يأمله أوباما هو أن يتم التوصل لوقف اطلاق النار قبل توليه حتي يجد متنفسا من الوقت لمعالجة الموقف بحكمة.. لكن الأزمة لا تحتمل الانتظار, ويجب التعامل معها فورا.. فهي علي مائدة طعامه وسترغمه علي إعادة برمجته لأولوياته وتأجيل قضايا العراق وأفغانستان وايران, في حين وضعها استطلاع للرأي في ذيل قائمة من12 أولوية في السياسة الخارجية.. مع ذلك علينا ألا ننسي تحذيرات وزير دفاعه: لا تختبروا إدارة أوباما.. لا تستغلوا الشهور الأولي من حكمه لاختبار عزمه.. التغيير لن يغير المصالح الأساسية بالشرق الأوسط.
إذن لايجب انتظار الجديد منه أو من غيره.. فالحل لن يأتي إلا من أصحاب الشأن.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.