بالقطع قدم الرئيس الأمريكي الجديد باراك حسين أوباما خطابا أمريكيا جديدا للعالم.. خطاب انقلب فيه علي جميع المعايير التي استند إليها الرئيس السابق جورج دبليو بوش.. حاول من خلاله أن يعيد الصورة الإيجابية إلي أمريكا في العالم, ويهدم الفجوة الكبيرة التي صنعها بوش بمساعدة المحافظين الجدد في الإدارة الأمريكية بأدوات السياسة الخارجية المفرطة في القوة, التي تعتمد علي العنف في إثبات الزعامة في العالم, وهو ما ثبت فشله باقتدار.
في خطابه الذي ألقاه عقب أدائه يمين القسم الدستورية فتح أوباما أملا جديدا لمستقبل أفضل للأمريكيين, ولشعوب العالم الأخري, توجه أوباما إلي قضيتين داخليتين بالغتي الأهمية: الأولي: هي كيفية تجاوز الأزمة الاقتصادية التي ضربت أمريكا والعالم, والثانية: أن أمريكا لن تقايض الأمن بالتخلي عن المبادئ الأساسية التي وضعها الآباء المؤسسون للولايات المتحدة الخاصة بحكم القانون, وحقوق الإنسان.
لقد أدركت القيادة الأمريكية الجديدة أن القوة وحدها لا يمكن أن تحمي الولايات المتحدة, ولن تعطي واشنطن الحق في القيام بما يحلو لها.
وعلي الصعيد الدولي أكد أن أمريكا سوف تسحب قواتها من العراق, كما مد يده إلي العالم الإسلامي في لغة مختلفة تماما عن تلك التي استخدمتها الإدارة القديمة, إذ لم يكرر العبارات التي تتضمن ربط الإسلام بالإرهاب, وقال: إن أمريكا تبحث عن سبيل جديد للتعاون مع العالم الإسلامي يقوم علي المصالح المشتركة, والاحترام المتبادل.
لقد استبشر العالم خيرا بقدوم باراك أوباما رئيسا لأمريكا, يعيد بلاده إلي قيمها الأصلية التي طالما تطلعت شعوب العالم إليها للاحتذاء بها: قيم المساواة والحرية والديمقراطية, والانتخاب الحر للبشر, بغض النظر عن العرق أو الدين أو اللون, وهي تلك القيم التي تكتمل بوصول أول شخص أسود البشرة لسدة الرئاسة في الولايات المتحدة, ابنا لأب مهاجر لا تنتمي جذوره تاريخيا للأرض الجديدة, ورغما عن ذلك فعلها.
العالم كله يتطلع إلي هذا الرجل المفعم بالحيوية لتنفيذ سياسة خارجية أكثر عدلا في العالم, لا تقوم علي القوة, وإنما تقوم علي التعاون والمصالح المشتركة.
العالمان العربي والإسلامي يتطلعان إلي مدي المصداقية التي ستتمتع بها كلمات أوباما في حفل التنصيب حينما تأتي المسألة إلي أزمة الشرق الأوسط.
الكل يتطلع إلي معالجة جديدة للأزمة تضع الأطراف المتصارعة علي الطريق الصحيح والسليم, لا تنحاز بشكل مطلق لإسرائيل علي حساب الفلسطينيين والعرب. صحيح أن أوباما قدم تعهدات خلال الحملة الانتخابية الرئاسية لإسرائيل تضمن الدعم الكامل لها, والحفاظ علي أمنها, وهي مسألة تتجاوز قدرات الرئيس الأمريكي الجديد, ولا يملك إلا الانصياع لها, فالقوي الفاعلة في النظام السياسي الأمريكي عملت خلال عقود علي إيجاد تطابق كبير في المصالح بين الولايات المتحدة وإسرائيل, فلا فكاك أمام أوباما من هذه القيود, لكن أمامه حرية حركة تتعلق بإقرار السلام ومنح الفلسطينيين حقوقهم في دولة مستقلة علي غزة والضفة الغربية عاصمتها القدس, وحينما يتحقق السلام سوف يضمن بذلك أن تعيش إسرائيل في سلام في تلك المنطقة المضطربة من العالم.
العالم أيضا ينتظر من أوباما تعاونا أمريكيا في مجال التعاون بين الشمال والجنوب.. مشكلات الإرهاب والعنف تنبع أحيانا من مشكلات تفاقم الفجوة بين الدول الغنية والدول الفقيرة.. نتطلع إلي عالم أكثر عدلا وتعاونا في مجال التعاون الاقتصادي والبيئة والسلام.
لقد رفع القادم الجديد إلي البيت الأبيض سقف التوقعات, ونتمني ألا يخيب أمل شعوب العالم فيه.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.