Obama and the Promise of Change

<--

الأربعة ملايين أمريكي الذين توافدوا من أنحاء الولايات المتحدة إلي واشنطن في أول تدفق جماعي بهذا الحجم علي العاصمة منذ الحرب الأهلية لحضور حفل تولية أوباما رئيسا كانوا هم وشعوب العالم كذلك يتابعون خطابه ويستخرجون منه دليلا علي أنه سيفي بوعده بالتغيير‏.‏

كان العالم الغاضب علي سياسات ثماني سنوات مضت في لهفة علي بادرة لوعد التغيير‏,‏ غير مهيأ لاعطاء أوباما فترة سماح‏,‏ وكانت الأنظار حسب مااتفقت عليه مراكز استطلاعات الرأي في امريكا وأوروبا قد اتجهت نحو أوباما بمجرد وقوع الهجوم الاسرائيلي علي غزة والذي احتلت صوره شاشات التليفزيون في كل مكان متسائلة كيف سيتصرف أوباما في أزمة ـ يفترض ـ أن تندفع الي قمة أولوياته‏.‏ وهي حدث لم يكن مجرد أزمة أو اشتباكات أو صدام لكنها حرب حظيت باهتمام شعوب العالم التي لم تخف غضبها وإدانتها لما فعلته اسرائيل‏.‏

لكن التساؤلات تكاثرت عما ينوي أوباما ان يفعله تجاه القضية الفلسطينية بشكل محدد وماهي خطته خاصة انه لم يكن قد أفصح عن خطة تفصيلية لما ينوي عمله واقتصرت تصريحاته علي سلام عام عن الدولتين وعن دور نشيط سيقوم به لحل النزاع‏.‏ لا أحد يتوقع من اي رئيس أمريكي ألا يدعم اسرائيل ويساندها كيفما يريد‏.‏ فنحن نعرف حجم الضغوط المنتظرة علي الرؤساء في الولايات المتحدة من قوي ضغط وجماعات مصالح ومنظمات يهودية تملك وسائل التأثير اليومي علي إدارات وأجهزة صنع القرار السياسي‏.‏

لكن اذا كانت هناك نية حقيقية للتغيير‏,‏ فالمطلوب ان تحقق التوازن لسياسة الولايات المتحدة تجاه منطقة لها فيها مصالح استراتيجية هائلة‏.‏ وتعبث فيها اسرائيل بمنتهي التحدي للعالم وللقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة وتقف الولايات المتحدة في مساندة تامة وتحيز مطلق لأي فعل ترتكبه اسرائيل‏.‏

وأقرب وصف لهذا ماسبق ان نطق به ديفيد أرون ميللر الذي كان عضو الفريق الأمريكي الرسمي في مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين والقائل لقد تركنا لاسرائيل اختطاف جهودنا في مفاوضات السلام وتقويض مصداقيتنا وماجاء في تقرير برينستون لاستراتيجية أمريكا بعد بوش والذي وضعه‏400‏ من اكبر خبراء السياسة الخارجية منهم وزراء خارجية امريكا السابقون من أن أمريكا لم تعد وسيطا نزيها بين العرب واسرائيل‏..‏

إن التوازن المفقود فاق في السنوات الثماني الأخيرة كل حدود المعقول والمقبول والمشروع باعادة إحياء عصر الاحتلال الذي كان العالم قد نبذه واحتفل بنهايته تحت مسمي تصفية الاستعمار فجاءت أمريكا تدعم الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين وتدافع عنه‏.‏

والتوازن يعني المساواة بين النظرة الي مايجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة وبين النظرة التي كان العالم يري بها مايجري في المستعمرات التي اعترف لها بحق مقاومة الاحتلال في افريقيا وآسيا وبأنه حق مشروع‏.‏

أما هذا التجاهل والمغالطة لكون الأراضي الفلسطينية ـ الضفة وغزة ـ أرضا خاضعة لجيش احتلال أجنبي ففي هذا هدم للمنطق وتحد للقواعد والقوانين الدولية ولحق الشعوب في التحرر‏.‏

إن الولايات المتحدة تعاني الآن من تدهور سمعتها في العالم وتواجه ظاهرة عالمية مضادة لها تسمي‏AntiAmericanism‏ رصدتها مراكز استطلاع الرأي الامريكية والأوروبية في العالم الاسلامي وأوروبا ودول آسيا الصديقة والحليفة للولايات المتحدة وهو تطور خطير اعترف به أوباما ومعاونوه ويضعونه في اطار كونه مسألة تحتل أولوية اهتماماته باعتبارها تمثل تهديدا للأمن القومي الأمريكي‏.‏

هذه الظاهرة التي ترتبط في حساباته بالأمن القومي يفترض بعد خروجه من الصمت المثير ودخوله البيت الأبيض ان يبدأ في معالجة أسبابها في هذه المنطقة التي تضطرب كلما رغبت اسرائيل في ان تشعل فيها الفوضي وتثير القلاقل‏,‏ ولا سبيل الي ذلك إلا بأن تكون لأمريكا سياسة متوازنة وعادلة‏.‏

إن الصمت الغامض لأوباما أثناء ماجري في غزة قد لا يمثل مؤشرا علي ان تغييرا أساسيا سوف يحدث تجاه المشكلة الفلسطينية‏,‏ لكن مازال هناك من يتعلق بالأمل في وجود البعض في الفريق المحيط به ممن كانوا منتقدين للانحياز المطلق بلا حساب لاسرائيل‏,‏ وان كان في فريقه كذلك من هم معروفون بانحيازهم لإسرائيل‏,‏ وتجاهلهم‏,‏ كونها دولة محتلة‏.‏

إن السياسة الخارجية لأمريكا يظل يحكمها مبدأ توازن القوي‏,‏ وليس التغيير لمجرد تلبية رغبة أحد‏..‏ وهنا في عالمنا العربي دول يمثل هذا التغيير لها‏,‏ مصلحة حيوية لشعوبها‏,‏ لكنه لن يتم إلا إذا امتلكت هذه الدول إرادتها‏,‏ وحشدت مالديها من إمكانات الضغط والتأثير في خدمة هذه المصالح‏.‏ وفي إطار سياسة يلزم لها ان تتغير هي الأخري وأن تتوقف عن منطق التعامل مع الولايات المتحدة‏,‏ مجردين من استراتيجية محددة تتعامل مع استراتيجيتها‏.‏

وفي النهاية فإن أمريكا تحترم الاقوياء‏,‏ وتقدرهم‏,‏ وهنا أستخرج من الذاكرة مثلا كان قد جاء علي لسان هيرمان أيلتس في مؤتمر حضرته في واشنطن عام‏1998,‏ شرح فيه أنه أثناء محاضرة له في القاعدة العسكرية ويست بوينت‏,‏ في يوم‏6‏ أكتوبر‏1973,‏ وجد الحاضرين من العسكريين‏,‏ يهللون إعجابا بما فعله المصريون‏,‏ باقتحام خط بارليف والعبور إلي سيناء‏.‏

..‏ حدث هذا من حلفاء وأصدقاء لإسرائيل‏,‏ لكن أمريكا ـ كما نعلم ـ تحترم الأقوياء وتضعهم في حساباتها‏.‏

About this publication