في احتفال تاريخي يمتلئ حماسا وتفاؤلا, توج الأمريكيون, باراك حسين أوباما, كما يحب أن يسميه الجميع, أول رئيس أمريكي أسود يدخل البيت الأبيض, يدعمه80 في المائة من الأمريكيين, ينتظرون منه أن يفي بوعوده, ويترجم شعار حملته الانتخابية الفريدة التغيير الذي لقي تجاوبا واسعا عميقا من كل فئات المجتمع الأمريكي إلي خطة عمل تغير واقعهم الراهن, تنقذ الاقتصاد الأمريكي من أزمة مخيفة تدفعه الي حافة الانهيار
يمكن أن ترفع نسب البطالة لأكثر من10 في المائة كما يتوقع أوباما نفسه, وتعيد الطمأنينة والأمن إلي النفوس وتستعيد للأمريكيين جميع حقوقهم المدنية التي أهدرتها إدارة بوش عندما تبنت أساليب التنصت والتعذيب والاعتقال التي شوهت صورة الديمقراطية الأمريكية, وتستعيد مصداقية الولايات المتحدة التي انهارت علي امتداد ثمانية أعوام من حكم الرئيس بوش أسوأ رئيس حكم الولايات المتحدة.
وخارج الولايات المتحدة, يأمل الأوروبيون في أن يساعد تنصيب أوباما رئيسا للولايات المتحدة علي صياغة علاقات أوروبية أمريكية أكثر ديمقراطية, توسع من حجم الشراكة الأوروبية في القرار الدولي, وتحد من سطوة الهيمنة الأمريكية علي العلاقات الدولية, وتتجاوز النظرة الضيقة الأفق لإدارة بوش التي قسمت أوروبا إلي أوروبا القديمة وأوروبا الجديدة التي خرجت دولها أخيرا من حلف وارسو
كما يأمل العالم الإسلامي في إدارة جديدة تستطيع أن تكسب عقول وقلوب المسلمين, تنهي هذا الفهم الخاطيء للإسلام الذي يعتقد أن العنف جزء من بنية الإسلام الفكرية, الذي فتح الباب لصراعات الأديان والحضارات, وجعل من الاسلام العدو الأول لحضارة الغرب وديمقراطيته بديلا للاتحاد السوفيتي المنهار, بينما يأمل العرب في أن تتبني ادارة أوباما سياسات أقل انحيازا لإسرائيل, تمكن الولايات المتحدة من أن تلعب دورا نشيطا في التسوية السلمية للصراع العربي الاسرائيلي التي تراوح مكانها علي مدي سنوات بوش الثماني, برغم وعوده باقامة الدولة الفلسطينية.
وبرغم أن الأزمة الاقتصادية التي تعتصر الولايات المتحدة وتكاد تهدد أمن كل أمريكي في عمله ومسكنه, سوف تكون الشاغل الرئيسي لأوباما إلا أن أزمة الشرق الأوسط, خصوصا بعد احداث غزة, سوف تفرض نفسها علي الرئيس الأمريكي الجديد الذي يرغب في سحب قواته من العراق وكسب الحرب وملذاتها ضد القاعدة علي أرضهم في أفغانستان وباكستان, وتصحيح صورة الولايات المتحدة في العالم الإسلامي, وإلزام طهران نهجا أكثر عقلانية واعتدالا, واللجوء الي التفاوض بديلا عن الحرب كلما أمكن.
ولا يعني ذلك, أن يظل العرب في موقع الانتظار الي أن يفرغ أوباما من أولوياته الأمريكية بدعوي غياب البديل, لأن البديل ليس الحرب أو سحب المبادرة العربية, ولكن بناء موقف عربي قوي يرفض قسمة العرب إلي معتدلين ومتشددين, يحسن استخدام أوراق القوة التي يملكونها, ويستوعب حماس في إطار وحدة الداخل الفلسطيني, ويتوقف عن تقديم تنازلات جديدة إلا أن يكون هناك مايقابلها, ويحدد سقفا زمنيا لإنهاء الاحتلال الاسرائيلي ويبتكر صورا جديدة من المقاومة تلقي دعم الرأي العام العالمي ومساندته, ويعيد ترميم العلاقة بين أنظمة الحكم وشعوبها بما يدعم مسيرة الديمقراطية ويحفظ حقوق الإنسان.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.