The Change That Isn’t

<--

أوباما.. ومصالح أمريكا الاستراتيجية!

كتب باهر صالح : بتاريخ 4 – 2 – 2009

تفاءل العالم وقادته بمجيء أوباما إلى الحكم في أمريكيا، أوباما حامِلُ شعار التغيير، وصاحب عبارات الصداقة والتعايش مع المجتمع الدولي، التي جعلت دول العالم تسارع بِمَدِّ يدها له، أملًا في علاقة مميزة تأخذ شكل الشراكة أو التعاون أو حتى الاعتراف.

فالرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي توّاق ٌلبدء العمل مع أوباما؛ حتى يستطيع تغيير العالم معه- على حد تعبيره، والمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركيل متفائِلَةٌ لدرجة كبيرة، واعتبرت يوم تنصيب أوباما يوما خاصًّا مميزًا جدًّا، ورئيس الوزراء الإيطالي، سلفيو برلسكوني علّق العديد من الآمال والتوقعات عليه.

وعلى صعيد المنطقة، فقد تفاءل وزير الخارجية الإيراني، منوشهر متكي بمجيء أوباما، في رسالةٍ منه بالاستعداد للتعاون والتعايش بدلًا من حالة التَّوَتُّر والتنافر، وسارَعَ كُلٌّ من نجاد والأسد ومبارك بإرسال رسائل تهنئة لأوباما، وحتى بعض الحركات وعلماء الدين رحّبوا بأوباما وأرسلوا له رسالة تهنئة.

وهكذا أُحِيطَ مجيء أوباما بهالةٍ من التفاؤل والانفتاح، حتى بدا وكأنه مُجَدِّدُ العصر، ومُخَلِّصُ أمريكا من كل مصائبها ومساوئها وعدوانيتها، وقد أتقن أوباما هذا الدَّوْرَ فأشرك في حكومته جمهوريين، مع أنه ديمقراطي، وسعى لِجَمْعِ المفكرين والسياسيين الْمُخَضْرَمِين في حكومته، دون النظر إلى خلفياتهم الحزبية ووجهات نظرهم، التي ربما تختلف قليلًا معه، كهيلاري كلينتون، وجعل جون كندي المحبوبَ لدى الشعب الأمريكي قدوةً له.

ولكن لو كان أوباما حقًّا يريد التغيير الجوهري، وليس فقط التغيير الشكلي، الذي يحافظ فيه على سياسة أمريكا الاستراتيجية، مع إضفاء أجواء التغيير والشراكة والانفتاح والتعاون، فلماذا لم يأتِ بوجوهٍ جديدةٍ، ذات شخصيات مجددة في حكومته؟! لماذا عاد إلى الوراء ليملأَ حكومته بشخصياتٍ سبق ومارستْ أدوارًا فاعلةً في الحقبة التي جاء ورفع شعار تغييرها والتخلص منها؟

وبإنعام النظر في مستشاري أوباما للخارجية، ومدراء سياسته الخارجية، نجد أن السياسة الأمريكية الْمُتَّبَعَة منذ ستين سنةً لن تتغير، فمستشارو أوباما ليسوا حديثي عهد بالسياسة، بل هم مُتَمَرِّسُون في السياسة الأمريكية، وأثبتوا كفاءاتهم في الإدارة الديمقراطية السابقة؛ حيث ضمت إدارة أوباما كلًّا من توني ليك، الذي كان يعمل مستشارًا للأمن القومي في إدارة كلينتون، ومساعدةَ وزير الخارجية في عهد كلينتون سوزان رايس، وجرك كريج المدير السابق لمكتبِ وزارة الخارجيةِ والتخطيطِ ، وإيرك هولدر نائب المُدَّعِي العامِ السابقِ، وريتشارد دانزج سكرتير البحريةِ السابقِ، و جيِم ستنبرغ نائب مستشار الأمن القومي السابق.

وضمّ فريق أوباما العديدَ من أعضاء الكونغرس السابقين، من مثل ديفيد بورن، رئيس سابق للجنة مختارةٍ من مجلس الشيوخِ للمخابرات، ولي هاملتون الرئيس السابق للجنة الشئون الخارجية في مجلس النُّوَّابِ، ونائب رئيس لجنة 11/9. فجميع المرشحين لمناصب الإدارة القادمة من المتمرسين في السياسة الخارجية.

وأبقى أوباما على روبرت غيتس وزيرًا للدفاع، وعيّن المفاوضَ السابقَ، ومهندسَ السلام في أيرلندا الشمالية؛ جورج ميتشل، مبعوثًا إلى الشرق الأوسط، وميتشل كان قد تولّى مَنْصِبَ المبعوث الخاص للشرق الأوسط ضمن إدارة الرئيس الأمريكي السابق، جورج بوش.

وعيّن مهندس السلام في البلقان ريتشارد هولبروك مبعوثًا إلى أفغانستان وباكستان، وكان هولبروك مُكَلَّفًا بشئون آسيا في عهد الرئيس جيمي كارتر، والشئون الأوروبية في عهد بيل كلينتون.

وأفادت المصادر أن المبعوث السابق للشرق الأوسط، دينيس روس، والذي تَوَلَّى المنصب نفسه في الإدارات السابقة، سيكون مبعوثًا خاصًّا للتعامل مع عددٍ من القضايا الواردة ضمن الملف الإيراني، ومنها: “البرنامج النووي، ودَعْمُ طهران للجماعات الإرهابية، كحركة حماس وحزب الله.”

من كلّ ما تقدم، يظهر بأن أوباما وإدارته لن يتخليا عن سياسة أمريكا الاستعمارية، أو يتوَقّفا عن خدمة مصالح الشركات الأمريكية. بل من المتوقع أن تزيد إدارة أوباما من استعمارها لدول العالم، مع إضفاءِ شيءٍ من التعديل الشَّكْلِيّ على السياسات السابقة، بإعطاء العالم مُتَنَفَّسًا من سياسة بوش أحادية القطب.

وما يؤيد هذا الكلام أيضًا قولُ أوباما ؛ أنه سيسعى إلى تغيير صورة أمريكا لدى العالم، وبالتالي فهو سيغير صورة أمريكا وليس حقيقتها، ففوق أنه حرص على جَمْعِ كلّ الخبرات السابقة، والكوادر العريقة في العمل السياسي، فإنه لن يتنازل عن مصالح أمريكا الاستراتيجية في العالم، وهو لم يطرح ذلك أصلًا، فلم يطرح أنه سيتخَلَّى عن نفط الخليج، وسيغادر العراق وأفغانستان. بل كل ما يفكر فيه هو: كيفية النجاح في تثبيت أمريكا في الخليج، وفي العراق، وفي أفغانستان، وهو ما فشل فيه بوش!

والآن لنعد إلى فلسطين لنرى ماذا أعد أوباما وفريقه لقضية فلسطين!

فقد أعطى اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الضوء الأخضر ليهود أمريكا بانتخاب باراك أوباما ، وحين اتُّهِمَ أثناء حملته الانتخابية بأنه (ابن حسين) أي ابن مسلم، أجاب بأن اسمه (باراك)، وهو بالعبرية (باروخ)! وعندما زار إسرائيل وضع القلنسوة اليهودية على رأسه، وحَجَّ إلى نُصُبِ ضحايا النازية، ورفض زيارة الضفة والقطاع، ثم تعهَّدَ أن يضمن أمن إسرائيل، واعتبره جزءًا من أمن أمريكا، وتعهّد بالإبقاء على إسرائيل أقوى من كل جيرانها المسلمين، وأن تبقى القدس عاصمةً أبديةً لإسرائيل!

وفي 4/6/2007، وفي حديثٍ له عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، أدان أوباما الموقف التي اتخذته الإدارة الأمريكية؛ حيث قال : ” حل النزاع وخَلْقُ حياة أفضل للناس، شيءٌ يمكن الوصول إليه، ولكن يتطلب ذلك تنازلاتٍ من الجانب الفلسطيني، إذْ يجب عليهم أن يعترفوا بحق إسرائيل في الوجود، ويجب أنْ يتخَلَّوْا عن العنف والإرهاب كأداةٍ للوصول إلى حلول سياسية، يجب أن يلتزموا بالاتفاقيات الموقعة، فأنا أعتقد بأنّ الإسرائيليين سيقولون حينها بكل سرور: “دعونا نمضي قدمًا في المباحثات التي ستُفْضِي إلى العيش سويًّا جنبًا إلى جنبٍ بسلامٍ وأَمْن”.

وفي خطاب لبايدن في أيلول 2008 تعهّد فيه بوضع الأمن الإسرائيلي في مقدمة أية مباحثات؛ حيث قال: “أنا رئيس لجنةِ العلاقات الخارجية، وأعطيكم كلمتي، وهي: إني لم أَتَخَلَّ عن منصبي لصالح منصب نائب رئيس أوباما، إلا لأني مُتَيَقِّنٌ في عقلي وقلبي بأنّ باراك أوباما سيكون في نفس درجة حماستي لإسرائيل، وأعدكم بأننا سنجعل إسرائيل أكثرَ أَمْنًا”!!

وأما هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية، فقد أَغْدَقَتْ على اليهود و إسرائيلِ، الكثيرَ من الوعود، في صورة تنافسية مع أوباما؛ لتكسب أصواتهم، حين كانت المنافسة بينها وبينه على منصب اختيار الحزب لأحدهما كمرشح لمنصب الرئاسة .

فمن الواضح إذن أنّ أوباما وفريقه لن يأتيا بجديد لفلسطين، ولا لقضية فلسطين، فهو كسابقه، بل كسابِقَيْهِ مع إسرائيل، قلبًا وقالَبًا، ومحاولةُ إيهام الناس أن تغييرًا سيحصل لصالح فلسطين بمجيء أوباما للحكم، ما هو إلا ذَرٌّ للرماد في العيون، وتسويقٌ للاتفاقيات والتنازلات قبل حصولها.

وعلى المسلمين أن لا ينخدعوا بالشعارات الزائفة، والعبارات الرنانة من قادة الغرب، وعلى رأسه أمريكا، وعلى الحركات- وخاصةً الإسلامية- أنْ لا تُصَدِّقَ دعوات التقارب أو التعايش التي سيسعى أوباما لإيجادها كطريقة لاحتوائها، فلن نَجْنِي من الشوك العنب، فدولة يهود أَوْجَدَتْهَا بريطانيا، ودعمتها أمريكا وأوروبا منذ نشأتها، والغرب يعتبرها قاعدتَهُ المتقدمة في الشرق الأوسط، ولن يسمحوا بشيءٍ يُضْعِفُهَا أو يَفُتُّ من عضدها، ومن الضروري أنْ يُدْرِكَ العالم أن القرار في أمريكا لا يُصْنَعُ من قِبَل أفرادٍ، ولكنه يُصْنَعُ من مؤسسات ومدارِسَ سياسيةٍ، وهي التي لا تختلف فيما بينها على مصالح أمريكا.

المصدر: الإسلام اليوم

About this publication