Welcome to Cairo, Obama!

<--

هناك خلل بنيوى فى رؤية الولايات المتحدة للدول المسلمة. يتمثل هذا الخلل فى أنها لا ترى كل واحدة منها باعتبارها دولة وطنية Nation State بقدر ما تراها أجزاء من كيان كبير غير متماسك، هو بالأساس كيان دينى، غير راضية بالتسليم بتطور الفكر والممارسات السياسية فى معظم هذه الدول باتجاه الهوية الوطنية المستقلة.

ولقد كان الخلل فى هذه الرؤية واضحا عندما تحدث مراسل العربية الزميل هشام ملحم مع الرئيس الأمريكى باراك أوباما معبرا عن المسلمين والعالم الإسلامى وهو مارونى لبنانى ذو رؤية وطنية لبنانية وعروبية. لكن الخلل الأخطر جاء فى كلام الرئيس أوباما الذى قال إن أى تصور يتعلق بمستقبل الصراع الفلسطينى – الإسرائيلى سيأتى ضمن إطار أوسع يمتد إلى مجمل العالم الإسلامى، وهذا تصور بعيد عن تصورات الجامعة العربية وأقرب إلى خط إيران وسوريا وحماس وحزب الله، وهذا يؤكد أن هؤلاء لاعبون رئيسيون فى المرحلة المقبلة. ولا يقل خطورة عن هذا الخلل النفاق الذى ينطوى عليه كلام كل رئيس أمريكى ومنهم أوباما نفسه عندما يتحدث عن حرصه على «أمن إسرائيل» البلد الذى يملك تفوقا عسكريا كاسحا واحتكارا نوويا وتميزا تقنيا وازدهارا اقتصاديا يفوق ما يملكه الآخرون من جيرانه جميعا وهو ما يجعل الخطر الوحيد على أمن إسرائيل معاندتها الدائمة للقانون والأخلاق والتاريخ والجغرافيا وإصرارها على خدمة السياسات الأمريكية حتى عندما تصاب السياسة الأمريكية بالجنون. ويبدو غريبا أن ينظر باراك أوباما إلى المنطقة التى تقوم عليها الدول المسلمة باعتبارها رقعة تتقابل فوقها قوتان: تنظيم القاعدة الإرهابى والإسلام المعتدل. هذا كلام فارغ. التناقضات الحقيقية فى العالم الإسلامى هى التناقضات بين دولة بتوجهاتها وارتباطاتها المختلفة. وبين مدارس الإصلاح المختلفة: المؤمنة بالتدرج والمحتكمة للقانون، من جهة والراديكالية التى تحتكم للأيديولوجيا، من جهة أخرى.وعلى مستوى ثالث ينبع من المستويين السابقين هناك القوى الساعية للحفاظ على الكيان الوطنى لكل دولة وتطويره والقوى التى تسعى للنزول من مستوى الدولة لمستوى الطائفة الدينية أو العرقية، ومن مستوى المؤسسات لمستوى التيارات الفئوية، ومن مستوى الجيوش وقوى الأمن لمستوى الميليشيات. وقد قدمت الولايات المتحدة النموذج الذى تتطلع إليه القوى اللامؤسسية بما صنعته فى العراق، وخاصة عندما فككت الجيش والشرطة والجهاز الحكومى. ولا يبدو من كلام أوباما إلى هشام ملحم على شاشة العربية أنه أفلت من التصورات الأمريكية التى تعانى من هذا الخلل. لكن رؤيته الإنسانية وتجسيده لجوانب مضيئة فى الثقافة الأمريكية – وهى جوانب لم تنعكس بقوة على السياسات الأمريكية تجاه المنطقة من أيام جون كيندى الذى وضع حدا لاعتدال ايزنهاور – يمكن أن يساعدا على تخفيف الآثار الخطيرة للسياسات الأمريكية الخاطئة تجاه البلدان المحيطة بإسرائيل بالمساعدة على احتكام إسرائيل وجاراتها للشرعية الدولية ولحقوق الإنسان.يبدو أن أوباما جاء إلى البيت الأبيض ليطفئ الحرائق التى تعمد إشعالها جورج بوش الأصغر ونائبه الصياد Angler، فى العالم كافة وفى البلدان المسلمة، خاصة.

وإطفاء الحرائق وتقليم أظافر العنف سوف يكشفان الحجم الضئيل لتنظيم القاعدة ولبقية التنظيمات الأصولية، وعندها سوف يتيسر إدخال فصائل الإسلام السياسى التى تعلن تسليما غير مشروط بقوة القانون الوطنى المكتوب فى حوار سياسى ومجتمعى جاد، على الأجندة الوطنية، وليس على الأجندة الأمريكية. والخطاب الجديد الذى يسعى أوباما إلى دفع الشرق الأوسط باتجاهه خطاب التخلى عن العنف والاهتمام باحتياجات الإنسان العادى يمكن أن يجد الرئيس الأمريكى فى الخبرة المصرية ما يعمقه ويفتح له آفاقاً واسعة من العمل، إذا جاء أوباما إلى القاهرة وخاطب الدول المسلمة من أعلى منبر خاطب المسلمين باسم الحضارة الإنسانية وخاطب الحضارة الإسلامية باسم المسلمين، طوال أكثر من ألف عام.

لا أعلم متى يزور أوباما القاهرة، لكنى أقول له، من الآن، مرحبا بك يا سيدى الرئيس.

About this publication