Changes in American Public Opinion Towards Israel

<--

لم يعد سراً على أحد أن “إسرائيل” تحظى بدعم قوي من قبل الصحافة والكونجرس وعامة الشعب الأميركي. ويفسر هذا الدعم جزئياً بقوة اللوبي الإسرائيلي ونفوذه في الولايات المتحدة. وعادة ما يختل توازن الحوار العام الذي يدور في أميركا حول أمور لها علاقة بالشرق الأوسط لصالح “إسرائيل”. وغالباً ما تخفت في هذه الحوارات الانتقادات الموجهة إلى “إسرائيل”، على نحو لا نجد له مثيلاً في أي مكان آخر من العالم، بما في هذه الأماكن “إسرائيل” نفسها، خاصة صحيفتها اليومية “هآرتس” التي لا تخلو من انتقادات لاذعة للحكومة الإسرائيلية. وبالقدر نفسه معلوم أيضاً أن هذا الدعم الأميركي العام ل”إسرائيل” غالباً ما يكون عاملاً رئيسياً في التأثير على سياسات الرئيس، الذي يطالب بإعطاء اعتبار خاص للدعم الشعبي الأميركي ل”إسرائيل”، بصرف النظر عن العوامل الأخرى التي تؤثر على سياساته الشرق أوسطية. صحيح أن الرئيس أوباما يتمتع بشعبية كبيرة جداً، إلا أنه ليس استثناءً لهذه القاعدة على أية حال.

بيد أننا نلاحظ بوادر تغيير طفيف في الحوار العام الدائر حول الشرق الأوسط، ولا تزال هذه التغييرات أولية للغاية، ويصعب القول في الوقت الحالي إنها تشير إلى حدوث تحول جوهري في الحوار العام. ومع ذلك، فهي جديرة بالملاحظة والوقوف عندها. ما هي هذه التغييرات على وجه التحديد؟

أولاً، بدأت شخصيات أميركية بارزة تجاهر بانتقادها العلني لسياسات “إسرائيل”. ففي عام 2007 لم يستطع الأستاذان الجامعيان المرموقان “جون ميرشماير” و”ستيفن والت” نشر مقالهما المطول والمفصل في نقد اللوبي الإسرائيلي، ووصفه بأنه يلحق الضرر بالمصالح القومية الأميركية، في أي من الصحف أو المجلات الأميركية، مما اضطرهما إلى نشره في موقع London Review of Books البريطاني المعروف. ولكن تمكن الأستاذان من توسيع مادة ذلك المقال وتفصيلها بقدر أكبر وإعدادها للنشر في كتاب. وقد طبع الكتاب بالفعل ووزع داخل الولايات المتحدة الأميركية عام 2008، وحظي بتداول واهتمام واسعي النطاق من قبل القراء. وللتو، صدر كتاب جديد من تأليف الرئيس الأسبق جيمي كارتر، اتسم بقدر كبير من التوازن في مناقشته لمصير عملية السلام الإسرائيلي- الفلسطيني.

ثانياً، هناك مثال آخر قدمه لنا مؤخراً هنري سيجمان، وهو قيادي أميركي يهودي معروف -كان مديراً سابقاً للمؤتمر الأميركي اليهودي- بنشره لمقاله الذي حمل عنوان “الأكاذيب الإسرائيلية”. وقد حوى المقال انتقاداً شديد اللهجة للحكومة الإسرائيلية. ومثلما حدث لمقال الأستاذين “جون ميرشماير” و”ستيفن والت”، فهو لم ينشر داخل الولايات المتحدة الأميركية، إنما نشر بموقع London Review of Books وحظي بتداول واسع بين القراء عبر الشبكة الإلكترونية. بل أثار المقال جدلاً كبيراً في أوساط الأميركيين المهتمين بقضايا الشرق الأوسط. وإلى جانب “سيجمان”، علت أصوات عدد آخر من أبرز قادة الجالية اليهودية في أميركا بالانتقادات الحادة للسياسات الإسرائيلية المتشددة. وخطت مجموعة من كبار قادة الجالية خطوة عملية مؤخراً نحو إنشاء مجموعة “جي ستريت”، وهي عبارة عن مجموعة ضغط تطالب بتوفر قدر أكبر من التوازن في سياسات واشنطن الشرق أوسطية. ويلاحظ أن لهذه المجموعة تأثيرها على الحوار العام الدائر بشأن المنطقة.

ثالثاً، بدأت ملامح هذا التغيير تلوح في مجال الصحافة الأميركية نفسها، وهي التي طالما عرفت بانحيازها وتغطيتها للموقف الإسرائيلي الرسمي على حساب الرأي العام العربي وآراء القادة العرب. ولنضرب مثالاً لهذا بالتقرير الصحفي الذي أعده الصحفي الشهير “بوب سايمون” وبث مؤخراً عبر برنامج 60 Miniutes بشبكة. “سي. بي .إس” التلفزيونية. وكان “سايمون”، الذي تربطه علاقة وطيدة بمنطقة الشرق الأوسط -خاصة “إسرائيل” التي عاش فيها لمدة 10 سنوات- قد ذهب إلى الضفة الغربية أثناء الاجتياح الإسرائيلي الأخير لقطاع غزة. ومن هناك أعد تقريراً شديد التعاطف مع الفلسطينيين، وحاد الانتقاد للمستوطنين الإسرائيليين في الضفة. ولهذا الحدث أهميته بالنظر إلى أن برنامج 60 Miniutes قد عرف بتحقيقاته الصحفية الموثوق بها، التي يعدها خيرة المحققين الصحفيين الأميركيين. بل يعرف البرنامج بأنه من أفضل برامج التحقيق الصحفي التي تبثها شبكة تلفزيونية كبيرة بحجم “سي. بي. إس”. إلى ذلك، عبر “سايمون” عن آرائه الانتقادية ل”إسرائيل” من خلال اللقاء الذي أجراه معه “تشارلي روز”، وهو أحد أبرز المحاورين التلفزيونيين الأميركيين.

رابعاً، في الخامس عشر من شهر فبراير الجاري، نشرت صحيفة “واشنطن بوست” افتتاحية مفاجئة تحت عنوان “إسرائيل.. خطوة للوراء”. بقي أن نعلم أن صحيفة “واشنطن بوست” هي الصحيفة التي يبدأ بقراءتها المسؤولون وصانعو السياسات في واشنطن صباح كل يوم. وهي معروفة بقوة تأييدها ل”إسرائيل”. كانت تلك الافتتاحية مفاجئة بسبب انتقادها غير المتوقع لأحد القادة الإسرائيليين. ففي تناولها لاحتمال تولي بنيامين نتانياهو منصب رئيس الوزراء، ذكرت الافتتاحية أن توليه للمنصب خلال عقد التسعينيات قد عطل عملية السلام. ومضت الافتتاحية إلى تحذير إدارة أوباما من الأخذ بمواقف وسياسات الحكومة الإسرائيلية ومواصلة دعمها كما لو كانت الحق الذي لا يأتيه الباطل مطلقاً، على نحو ما كانت تفعل إدارة بوش. واستنتجت الافتتاحية أنه لم يعد في مقدور واشنطن، ولا “إسرائيل” قبول حكومة إسرائيلية تعطل عملية السلام. وربما يبدو وقع هذه العبارات غريباً جداً على الأذن العربية. غير أن صدور المقال في إحدى كبريات الصحف الأميركية، يثير الدهشة نفسها لدى الأميركيين، خاصة أن الصورة المرسومة فيه عن “إسرائيل” جاءت في غاية السلبية.

لكن الوقت لا يزال مبكراً جداً للقول إن الحوار الأميركي العام عن الشرق الأوسط، قد أصبح أكثر توازناً الآن. بل الصحيح أنه لا يزال مستحيلاً من الناحية السياسية، على أي سياسي أميركي يطمح لإعادة انتخابه لمنصبه، أن يوجه انتقادات قوية حادة النبرة ل”إسرائيل”. فها هم “أصدقاء إسرائيل” يردون على هذا الاتجاه الجديد الناقد ل”إسرائيل” في الصحافة الأميركية بتكرارهم لاسطوانة “كبش الضحية الإسرائيلي”. في حين أن آفاق عملية السلام الإسرائيلي الفلسطيني تبدو بعيدة أكثر من أي وقت مضى، خاصة مع تزايد احتمالات تولي نتانياهو لرئاسة الوزراء. ومع ذلك فإن بوادر التغير هذه في الرأي العام الأميركي بشأن “إسرائيل”، ربما تفتح نافذة جديدة للأمل في أن تتمكن إدارة أوباما من المناورة السياسية وبلورة سياسات أكثر توازناً إزاء “إسرائيل”. ولن تكون مهمة أوباما الشرق أوسطية سهلة بالطبع، إلا إنه ربما يستفيد كثيراً من التغيرات الحادثة على الرأي العام الأميركي، خاصة أن لهذا الرأي نفوذه القوي على سياسات واشنطن ومواقفها من النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني.

About this publication