إذا كان الرئيس أوباما قد اعترف بكل شجاعة بأن بلاده لا تكسب الحرب في افغانستان ـ التي كان قد وصفها بالجبهة المركزية للحرب ضد الارهاب ـ فلماذا لم يعلن بشجاعة ايضا انه يتعين سحب قواته تدريجيا من هناك تجنبا لمزيد من الفشل؟ فدعوته لاجراء محادثات مع عناصر معتدلة من طالبان تطبيقا لتجربة ميليشيات الصحوة بالعراق, تكاد تكون محاولة يائسة لتجنب اراقة ماء الوجه, أو ربما اعترافا خجولا بالهزيمة, كما اعتبرتها ورفضتها طالبان والمعارضة الافغانية.
أوباما لم يكن في حاجة الي وقت طويل لكي يعقلها بحسابات المكسب والخسارة… فلا يخفي عليه أن الاوضاع بافغانستان تزداد تدهورا وصعوبة في احتوائها.. وأن طالبان تزداد جرأة وعدوانا وانتشارا وسيطرة وأنه لا وجود اصلا لطالبانيين معتدلين, أو أنهم سيقبلون بشروط لالقاء السلاح وطلب العفو, كما قالوا في بيان لهم.. ويدرك ايضا ان الحكومة الافغانية تزداد ضعفا وفقدانا للفاعلية ولثقة الشعب.. وان الصورة تزداد قتامة مع مزيد من تدهور الاوضاع بباكستان, وصعوبة شن الحرب من اراضيها.. ولا يخفي عليه أن القوات الامريكية وقوات الناتو هناك محبطة, مستهلكة ومرتبكة, ومتبرمة, تقع تحت ضغوط سلسلة من المهام والاهداف المتناقضة المربكة.. ويدرك ان بلاده تفقد التفوق العسكري في مواجهة الحروب غير التقليدية ثم إن الاوضاع داخل أمريكا لا تحتمل مزيدا من الحروب مع اقتصادها المنهار ومعاناة مواطنيها.. فكيف تواصل الدولة ضخ مليارات الدولارات في حروب بافغانستان وباكستان والعراق, لا هدف واضح لها, ولا استراتيجية للتصعيد او للخروج باعتراف وزير الدفاع الامريكي نفسه؟
وكان لابد أن يثير هذا كله تساؤلا حول جدوي ارسال17 ألف جندي أمريكي اضافي كدفعة اولي بتكاليف باهظة, طالما ان عشرات الآلاف من قوات الناتو لم تنجح طوال ثماني سنوات في كسر ظهر طالبان والقاعدة؟ ألن يغرق ذلك الولايات المتحدة في كارثة اقتصادية وانسانية أكبر؟
ربما لذلك تنبه اوباما الي ضرورة إعادة النظر في استراتيجيته تجاه أفغانستان, وبحث رؤية جديدة مع حلفائه وروسيا وايران في مؤتمر دولي حول افغانستان آخر الشهر الحالي.. ولكن رد طالبان علي دعوته للحوار لا يعطي أملا في الخروج من ذلك المستنقع إلا بانسحاب القوات الاجنبية كلها, وكأن وجودها وليس وجود طالبان هو السبب الرئيسي وراء الحرب.. فليتخذ اوباما ذلك القرار الجريء تجنبا لمزيد من النزف البشري والمادي ويترك افغانستان لأهلها ويكتفي بحماية بلاده داخل حدودها.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.