سوف يبقي الاختلاف قائما لفترة بين المقتنعين بتغيير في السياسة الخارجية الأمريكية علي يد أوباما, وبين الذين لايتوقعون تغييرا أساسيا, آخر مرة لمست فيها ذلك, كانت أثناء مشاركتي في الاسبوع الماضي, في مؤتمر دعاني اليه مركز الدراسات الأمريكية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية موضوعه مستقبل العلاقة بين مصر وأمريكا, وأدار جلساته الدكتور علي الدين هلال.
وفي اليوم التالي مباشرة كنت في ندوة بمكتبة مبارك العامة أدارها السفير عبدالرءوف الريدي, وتحدثت فيها حول معني التغيير في عهد أوباما, علي ضوء كتابي أمريكا في عالم يتغير ولمست أيضا وجود الانقسام بين الرأيين.
وفي الحالتين يلزم الايضاح بأن التغيير في سياسة أوباما الخارجية هو قضيتان لكل منهما ظروفها, وليست قضية واحدة.
أولاهما تتعلق بالتغيير في السياسة الأمريكية في العالم, والثانية تخص الشرق الأوسط, أو علي وجه التحديد, ما سيكون عليه موقفه من القضية الفلسطينية, والنزاع العربي ـ الإسرائيلي.
الأولي ستكون تغييرا مفروضا علي أمريكا والثانية تغييرا مشروطا ومحكوما بحسابات.
وفيما يتعلق بما يخصنا مباشرة, فانه برغم قاعدة الاستمرارية, التي تحكم السياسة الخارجية, فإن التاريخ يشهد ان هناك رؤساء أمريكيين خرجوا علي هذه القاعدة, وفرضوا من جانبهم سياسات غيرت ماهو متبع ومستقر.
والنماذج التي تشهد علي هذا منها.
1 ـ الرئيس جيرالد فورد أعلن رسميا في عام1975 انه قرر مراجعة مجمل السياسة الأمريكية تجاه العرب وإسرائيل ردا علي تهرب اسرائيل مما التزمت به في مفاوضات فصل القوات مع مصر بعد حرب73.
2 ـ الرئيس بوش الأب قرر وقف تقديم قرض مقداره عشرة مليارات من الدولارات لإسرائيل عقابا لإسرائيل علي عدم احترامها ما التزمت به في مؤتمر مدريد1991, بتجميد بناء المستوطنات.
3 ـ الرئيس كلينتون حاول ان يدفع إسرائيل إلي تسوية شاملة علي جميع المسارات, وكانت له تصريحاته التي تعلن أن المستوطنات غير شرعية, وعقبة في طريق السلام.
4 ـ في أواخر التسعينات حضرت في واشنطن محاضرة لعالم اسرائيلي كان يقوم وقتها بالتدريس في جامعة جورج واشنطن وهو آفنر كوهين وكنت قد قرأت له كتابا بعنوان القنبلةTHEBOMB وفي المحاضرة والكتاب, كشف بالوثائق الرسمية ان الرئيس كيندي كان الرئيس الأمريكي الوحيد الذي تصدي لبرنامج إسرائيل النووي الذي كان في مراحله الأولي, وصمم علي ارسال وفد من الخبراء للتفتيش علي ما تفعله إسرائيل.
فهل يصنع أوباما التغيير الذي بشر به؟
الواضح أن أوباما له رؤية ومتابعة لما يجري في المنطقة, وقد تكون لديه نية ورغبة في حل المشكلة الفلسطينية.
لكن السياسة في أمريكا لاتصنعها حسن النية, أو ما يرغب فيه الرئيس فأوباما يتحرك في حدود خريطة سياسية يتحكم فيها أسلوب عمل النظام السياسي في الولايات المتحدة. وهو نظام يسمح لجماعات المصالح, وقوي الضغط بأن تلعب أدوارا لصالح كيانات داخلية أو دول أجنبية.
فما الذي يغير موقف أوباما؟
أوباما لايستطيع ـ حتي ولو رغب ـ ان يغير من السياسة المتبعة إلا اذا استبقه العرب بتغيير حالة السكون الأزلي, وان تكون لهم ارادة سياسية, واستراتيجية أمن قومي, يحشدون وراءه قدرات وامكانات التأثير لديهم, فالسياسة عند أمريكا هي لعبة توازن قوي, وليس مانريده نحن, أو مايريده رئيسهم.
أما عن تغيير سياسة أوباما في العالم, فتلك حتمية مفروضة عليه وليس اختيارا, وسوف أستند إلي مؤشرات من أمريكا ذاتها منها:
* في يونيو2008 صدر عن المجلس القومي للمخابرات الأمريكية تقرير يؤكد أن نفوذ أمريكا كقوة عالمية سوف يتناقض كثيرا وان أمريكا لن تستطيع وحدها مواجهة جماعات التحديات لأمنها القومي أو حل المشاكل العالمية.
* في نفس عام2008 صدر كتاب بعنوان ما بعد العصر الأمريكي لمؤلفه المفكر السياسي المعروف فريد زكريا ـ وهو من أصل هندي ـ ومن كبار من يرجع اليهم داخل المؤسسة الرسمية ومراكز صنع القرار, عرض فيه للتحولات الجارية في العالم, وصعود قوي دولية أبرزها للآن ـ الصين والهند ـ وتحول ميزان التأثير من الغرب إلي ناحية آسيا, وان هذه التحولات سوف تفقد أمريكا وضع القوة العظمي الوحيدة, وتفرض عليها وجود شركاء آخرين في تشكيل النظام الدولي الجديد, وان العالم مقبل علي عصر تعددية الأقطاب.
* في نفس العام ايضا نشرت وثيقة استغرق العمل فيها ثلاث سنوات عرفت باسم استراتيجية الأمن القومي الأمريكي للقرن الحادي والعشرين أو تقرير برينستون وشارك فيها400 من كبار خبراء السياسة الخارجية منهم, هنري كيسنجر, ومادلين أولبرايت, وجورج شولتز, والوثيقة طرحت مفهوم التغيير, للتعامل مع عالم يتغير من حول أمريكا.
* وتوالت دراسات وكتابات عديدة لكبار الخبراء والساسة, تقر ان أوباما جاء وقد سبقته حركة داخلية استمرت ثلاث سنوات, تؤمن بأن تغيير أمريكا وضعها في العالم وسياستها الخارجية, أصبح أمرا لامفر منه, ولمصلحتها, وإلا فان تحديها تيار التاريخ المتدفق, يضعها في مرمي كارثة تاريخية كبري.
هذا كله بالطبع لايعني اغفال وجود قوي مهمة داخل الولايات المتحدة, لاتستطيع تقبل فكرة عالم متعدد الأقطاب, أو التنازل عن عقيدتها, بأن أمريكا مقدر لها ان تظل القوة المهيمنة ومركز الالهام للعالم, ولهذا فان قدرة أوباما علي التغيير تبقي رهن الدعم الذي سيلقاه من الرأي العام, ومن النخبة والتيارات السياسية النشيطة التي سبقت مجيئه بسنوات, وهي تدعو لمفهوم التغيير.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.