America Before and After Obama

Edited by Robin Silberman


<--

فترة حكم أوباما تشي بتغيير جذري في السياستين الداخلية والخارجية لأمريكا وقد لمست الكثير من المؤشرات على امكانية تحقق ذلك..

عدت لتوي من الولايات المتحدة الأمريكية بعد مشاركة لي في مؤتمر عن الدراسات العربية والإسلامية بجامعة (فيلانوفا) بولاية بنسلفانيا وكانت آخر زيارة لي لأمريكا قبل ذلك عام 2005م حين أتممت دورة تدريبية مكثفة بجامعة (فرجينيا تك) بولاية فرجينيا لمدة ثلاثة أشهر، وبالطبع فان الزيارة السابقة كانت في عهد بوش وبعد أربع سنوات من أحداث 11/9 والزيارة الأخيرة كانت في عهد أوباما بعد ثماني سنوات من تلك الأحداث وكنت كتبت في هذه الجريدة الغراء عام 2005م عما لقيته مع عائلتي من اضطهاد وتفرقة حين أُخْرِجْتُ من شقة كنت استأجرها عنوة بحجة إحداث الضجيج دون ان اعوض عن مبلغ الايجار الذي كنت دفعته مقدما، ولم يقدر أحد وقتها ان ساق أحد أبنائي كانت مكسورة بل أرغمونا على الاخلاء لمجرد اننا سعوديون أو عرب مسلمون، وكانت تجربة قائمة في حد ذاتها.

أما في عهد أوباما ورغم مضي شهور قليلة على ولايته، فقد شعرت بكثير من التغيير في مناح كثيرة ان لم أقل في المناحي كلها. فمنذ اللحظة الأولى التي تطأ قدماك أرض أمريكا وحتى تغادرها لا تشعر بشيء من الاضطهاد أو التفرقة أو سوء المعاملة، بل ان التفتيش الدقيق وما كان يشبه التحقيق خلال معاملات الجوازات. في الدخول، كل ذلك خَفَّتْ حدته وأصبحت الإجراءات لا تستغرق سوى دقائق معدودة دون أي استفزاز أو تعقيد، كما كان يحدث قبل شهور قليلة في عهد بوش.

وان كنت ذكرت مؤتمرا شاركت فيه حول الدراسات العربية والإسلامية فلا بد من ان أشير إلى ان كثيرا من محاوره ومناقشاته كانت تدور حول قضية العراق والجناية الأمريكية فيه، وفي مقدمة القضايا التي تمت مناقشتها بشفافية عالية ومصداقية كبيرة قضية اللاجئين العراقيين في العالم وواجب الحكومة الأمريكية والشعب الأمريكي تجاههم وحضرت ندوة شارك فيها ممثلون وممثلات عن هيئات حكومية وغير حكومية أمريكية ناقشت أوضاع اللاجئين العراقيين المزرية المترتبة على التدخل الأمريكي في العراق. وأوضح المنتدون ان تلك الأوضاع لم تكن الا بسبب ذلك التدخل، فالعراق بلد يملك الكثير من الثروات الطبيعية والبشرية، وكثير من مواطنيه الذين شردوا وهجروا هم على درجة عالية من التعليم والثقافة وبعضهم أطباء ومهندسون، ومع ذلك فانهم يلقون صعوبات جمة في البلدان التي يلجأون إليها، ويضطر كثير منهم للعمل في مهن غير مناسبة لمؤهلاته وتعليمه ليعتاش.

وعرض المنتدون أرقاما غريبة لاعداد اللاجئين العراقيين في العالم، إذ تستضيف سورية العدد الأكبر منهم الذي يتجاوز مليونا ونصفا، تليها بعض دول الجوار كالأردن ولبنان، وينتشر بعض مئات الآلاف منهم في أوروبا، أما أمريكا التي كانت السبب الأول في تشريدهم وسوء حالهم فلم يصل إليها حتى 2009م الا بضعة آلاف قليلة، والرقم المستهدف للاجئين الذين سيسمح لهم بالإقامة في أمريكا هو أربعون ألفا، ولكن هذا الرقم يصعب ان لم يستحل تحقيقه في ظل الإجراءات بالغة التعقيد التي تفرضها الحكومة الأمريكية على اللاجئين وقد زاد الوضع سوءا كما طرح المنتدون تفاقم الأزمة المالية في أمريكا التي ضيقت الخناق على المقيمين قبل ان تفسح المجال للاجئين والوافدين.

واتسم المنتدون بالصراحة الفائقة حين أكدوا جميعا ان الحكومة الأمريكية تحملت بعض مسؤولياتها في السابق حين اتاحت الفرصة لمليون لاجئ فيتنامي ان يفدوا ويستقروا فيها بعد حربها الظالمة في فيتنام، بينما لم تفكر الا في أربعين الف لاجئ عراقي بعد حربها المدمرة العاتية في العراق ولم يصل منهم في الواقع الا آلاف قليلة. وبينما أجمع المنتدون والمتداخلون على التقصير الأمريكي الواضح حيال هذه الفئة من البشر الذين كانوا ضحايا الاحتلال الأمريكي للعراق، ذهب الكثير من المنتدين إلى ضرورة محاكمة المتسببين في هذه الكارثة الإنسانية العظيمة ومساءلتهم عما جنته واقترفته أيديهم من الجرائم والتجاوزات الإنسانية والأخلاقية بحق شعب كامل، ورأوا ان هذه الخطوة أهم من مجرد التفكير في كيفية اغاثة اللاجئين وتوطينهم. ويبدو ان هذه الدعوة ستجد صداها في فترة حكم أوباما الذي يشي بتغيير جذري في السياستين الداخلية والخارجية لأمريكا. وقد لمست الكثير من المؤشرات على امكانية تحقق ذلك في هذه الزيارة الأخيرة.

About this publication