هل تغيرت مكونات المصالح الحيوية الإستراتيجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط؟
إن المؤسسات السياسية في الولايات المتحدة كانت إلي وقت قريب تحصر هذه المصالح في مسألتين رئيسيتين هما: إسرائيل, والبترول.
والملاحظ أن البيان الذي وقعه عشرة من كبار المسئولين السابقين, الذين شغل كل منهم مناصب: مستشار الأمن القومي, ورؤساء سابقين, ووزراء, وسفراء, ورئيس سابق للبنك الدولي, وأعضاء بمجلسي الشيوخ والنواب, هذا الخطاب ضمنوه صياغة حديثة للمصالح الحيوية الإستراتيجية في المنطقة وهي:
بقاء إسرائيل ـ الوصول الآمن للموارد الطبيعية الحيوية ـ أمن طرق المواصلات الإستراتيجية ـ والعلاقات الوثيقة مع الحلفاء والدول الصديقة في العالم العربي ـ ثم البعد الجديد للأمن القومي الذي أضافته أحداث الحادي عشر من سبتمبر, ويتعلق بمراعاة المصالح الأمريكية في إطار علاقة سلام بين العرب وإسرائيل, وأن هذه المصالح ثابتة, وأن تحقيقها يكون ميسورا حين ينظر إلي الولايات المتحدة علي أنها تعمل بالفعل من أجل السلام بين العرب وإسرائيل.
والبيان بقدر ما يعرض نمطا من التفكير, بدأ صوته يعلو في أمريكا, ويضع خطا فاصلا بين الأمن القومي للولايات المتحدة وأمن إسرائيل, وليس المزج بينهما, بقدر ما يغوص في عمق العلاقة الأمريكية ـ الإسرائيلية.
فالبيان يقرر أن حماية المصالح الأمريكية تدعو حكومة أوباما لأن تضع السلام العربي ـ الإسرائيلي علي رأس أولويات الأمن القومي الأمريكي من البداية. وأن إيجاد سلام شامل في المنطقة سوف يزيح تهديد تنظيم القاعدة, ويساعد علي تجفيف منابع الإرهاب.
ويقترح البيان ضمانات أمنية من الولايات المتحدة لإسرائيل, ويقول: إن علاقتنا الخاصة مع إسرائيل تسمح لأمريكا أن تكون وسيطا من أجل سلام شامل, فالمساعدة الأمنية, والحوار الاستراتيجي معها يحققان التفوق العسكري النوعي لإسرائيل, ويقوي المشاركة الأمنية بينهما.
ويقول: مازالت توجد في إسرائيل أقليات قوية وعالية الصوت تعارض السلام, ليس فقط بالأقوال, وإنما بالأفعال, فالمستوطنون المتشددون وأنصارهم من السياسيين يرفضون الحلول الوسط التي سماها شارون تنازلات مؤلمة, يمكن أن تؤدي إلي قيام دولة فلسطينية قابلة للبقاء, وتؤدي إلي سلام مع سوريا ولبنان, وان وجهة نظر هؤلاء الإسرائيليين تقوم علي أبدية النزاع, مع التوسع الاستيطاني, بينما لايزال معظم الإسرائيليين يتفهمون أن غاية ما يهم أمن إسرائيل في النهاية هو علاقة الثقة والصداقة مع الولايات المتحدة, وعلي الأخص مع الرئيس الأمريكي.
وإذا ما كانت الحكومة الإسرائيلية ستقرر الإقدام علي حلول وسط, وتنازلات مؤلمة من أجل السلام, فإنها تكون قادرة ببساطة علي أن تقول لشعبها, لضمان بقائها السياسي داخليا: إن الرئيس, وكذلك الولايات المتحدة, هم معنا, ويريدون منا أن نفعل ذلك من أجل قضية السلام.
وحسب الخطة أو البيان الذي سلم إلي أوباما فإن تسوية الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني تقوم علي أساس العودة إلي حدود67, مع تعديلات طفيفة ومتقابلة ومتفق عليها, والعودة إلي إحياء المسار السوري, وإعادة مرتفعات الجولان إلي سوريا, مع ترتيبات بشأن مياه بحيرة طبرية, والخطة تطرح مقترحات ليجري التفاوض عليها.
أن مما لاشك فيه أن حكومة إسرائيل سوف تقاوم جهود الحل السلمي, وستحشد القوي اليهودية الأمريكية للضغط علي أوباما, ومما كان يدعم هذه الضغوط من قبل ما كانت تصوره للشعب الأمريكي من أن أمن إسرائيل مرتبط بالأمن القومي للولايات المتحدة, وليس هناك انفصال بينهما, لكن الملاحظ علي التحركات التي بدأ يعلو صوتها الآن أنها تركز علي الفصل بين أمن كل من الدولتين.
وأنه إذا كانت حكومة إسرائيل حسب معاييرها لأمنها القومي لا تقبل بالتسوية التي تعيد الأرض وفقا لحدود67, ولا تقبل بالدولة الفلسطينية, فإن عدم تحقيق تسوية سلام شاملة يلحق أبلغ الضرر بالأمن القومي للولايات المتحدة.
يبقي في النهاية أن نراعي أن إدارة السياسة الخارجية في عهد أوباما أو غيره تجري داخل نظام سياسي له قواعد عمله المتوارثة التي تناسب طبيعة الدولة, والذي مازالت أهم سماته تأثير قوي الضغط المسموح لها بأن تمارس دورها دون قيود, مثلما هو مسموح لغيرها بأن تضغط بما لديها من وسائل وإمكانات, وإذا ما ظل الجانب العربي فاقدا لإستراتيجية تتيح له استخدام ما لديه من إمكانات فإن كفتهم لن تكون الراجحة في الميزان الذي يحدد اتجاه القرار الأمريكي.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.