The Danger of Obama

<--

خطورة أوباما

بقلم د.حسن نافعة ٧/ ٦/ ٢٠٠٩

تعاملت مصر الرسمية مع زيارة أوباما من منظورين مختلفين، الأول: عكسته سعادة غامرة باختيار الرئيس الأمريكى لمصر منصة إطلاق لخطاب أراد توجيهه للعالم الإسلامى، ووجدت فى هذا الاختيار فرصة يمكن توظيفها لصالح النظام الحاكم. والثانى: عكسته مخاوف من حدوث «شىء ما» قد يعكر صفو الزيارة ويحولها من فرصة إلى وكسة أو نكسة تصيب النظام أو تضره بأكثر مما تفيده أو تنفعه.

المنظور الأول عبر عن نفسه من خلال حالة «طوارئ» أو «تعبئة عامة» استهدفت تحسين صورة كل ما يمكن أن تقع عليه عينا الضيف الكبير فى طريق ذهابه وغدوه من وإلى الأماكن التى يفترض أن يزورها أو يمر بها وفقا للبرنامج المتفق عليه.

وهكذا جرت عملية كبرى لغسل قبة الجامعة ووضع قاعة احتفالاتها الكبرى، وهى تحفة معمارية رائعة لاتزال شاهدة على زمن جميل ولّى، وجامع السلطان حسن، ومنطقة الأهرامات، فى أبهى حلة ممكنة. كما أعيد رصف وتنظيف الشوارع والطرق المحيطة بهذه الأماكن، واستعدت فرق الموسيقى والخيالة التابعة لرئاسة الجمهورية لتكون فى حالة جهوزية تامة لاستقبال «الإمبراطور» الشاب فى قصر القبة الفخيم.

ولا جدال فى أن الصور التى نقلتها فضائيات العالم لأوباما، سواء أثناء استقباله الرسمى أو أثناء زيارته للجامع والجامعة والأهرامات، كانت كلها جميلة ومشرفة، رغم سمات الافتعال والتكلفة العالية التى لا مبرر لها، والتى عكست سطوة حكم بأكثر مما عكست فعالية نظام أو رقى مجتمع.

المنظور الثانى: عبّر عن نفسه من خلال الترتيبات والإجراءات الأمنية والتنظيمية المتعلقة بتأمين وحماية الرئيس الأمريكى والأماكن التى سيزورها طوال فترة بقائه فى القاهرة، كما تتعلق بطريقة إدارة وتسيير الأمور داخل قاعة الاحتفالات الكبرى بالجامعة قبل وأثناء وبعد إلقائه خطابه المنتظر.

هنا يلاحظ أن التوتر والخوف من المجهول كانا باديين على الأجهزة المعنية، خاصة فى رئاسة الجمهورية، وهو ما عكسه تصريح أفلت من الدكتور زكريا عزمى حين عبّر فى أحد المؤتمرات الصحفية عن أمله فى أن «تعدى هذه الزيارة على خير»!.

وبوسع أى متابع محايد لما جرى أن يلاحظ أن التدخل الأمريكى فى كل تفاصيل الزيارة كان ثقيلا جدا، وأن النظام المصرى اضطر لتقديم تنازلات كثيرة ما كان لأى نظام آخر يثق فى نفسه وفى قدراته أن يقبل بها.

وقد بدا التدخل واضحا فى تحديد أسماء المدعوين لحضور الخطاب، وفى اختيار الصحفيين المدعوين لحضور لقاء مع أوباما عقب الخطاب مباشرة خصص له ٤٥ دقيقة، ووصل الأمر إلى حد الموافقة على إسناد مسؤولية إدارة قاعة الاحتفالات قبل وأثناء وبعد الخطاب للطرف الأمريكى بالكامل، مما أثار تندر وقفشات الحضور فى كل مرة يحاول فيها أحد الفنيين اختبار كفاءة الأجهزة الصوتية!.

أما الطرف المصرى فقد عهد إليه فقط بمسؤولية تأمين المناطق المحيطة وعمليات الدخول والخروج منها وإليها.

كما يلاحظ ايضا أن أجهزة الأمن المصرية تعاملت مع ما أُسند إليها من مسؤوليات بصرامة مبالغ فيها، وبمنطق «الأخذ بالأحوط»، بصرف النظر عما قد يسببه ذلك من إضرار براحة ومصالح المواطنين.

ورغم تفهمنا التام لدواعى الأمن فى ظروف كهذه، فإن بعض الإجراءات التى فُرضت لم يكن لها ما يبررها وعكست حالة من التوتر وعدم الثقة بالنفس أكثر مما أفصحت عن فاعلية أداء وقدرة على التعامل المرن مع الاحتياجات والمطالب الإنسانية، وهو ما بدا واضحا عقب خروج المدعوين من قاعة الاحتفالات بعد إلقاء أوباما خطابه.

فقد أحس كثيرون، من بينهم كبار فى السن ومن هم فى حاجة إلى رعاية خاصة، أنهم محاصرون ومهملون ولا قيمة لهم البتة. وأيا كان الأمر، فقد أحس المصريون جميعا بالسعادة حين «انتهت الأمور على خير» ولم يحدث ما يعكر صفو تلك الزيارة التاريخية، لكن ماذا بعد؟

مشكلتنا فى مصر، وربما فى العالم العربى كله، أننا نهتم بالشكل الخارجى ونحول أحداثاً كبرى إلى مجرد «زفة» نحاول إخراجها على أروع ما يكون لتصبح حديث الناس، لكننا ننسى الأهم وهو ماذا عن «اليوم التالى». فأوباما لم يأت فى زيارة سياحية لمشاهدة الأهرامات والخيول الرئاسية، أو لاستعراض مواهبه الخطابية وإبهار الناس بشخصيته الكاريزمية، وإنما جاء فى مهمة كبرى تستهدف أولا وأخيرا إخراج بلاده من أزمة عميقة تمر بها تبدو وكأنها هاوية بلا قرار.

ولأننا انشغلنا بالجانب الاحتفالى، الذى يبدو أننا لم نعد نملك سواه للتأثير على الآخرين، فقد باتت تساورنى شكوك حقيقية فى أن تكون مصر الرسمية قد أدركت مغزى ودلالات ما يجرى فى تلافيف العقل الأمريكى الذى صمم هذه الزيارة لتكون نقطة انطلاق نحو مرحلة جديدة لا أعتقد أننا مستعدون وجاهزون للتعامل معها كما ينبغى.

ويبدو أننا لم ننتبه بعد إلى أن الولايات المتحدة تدير السياسة أحيانا على طريقة «هوليوود» فى الإبهار وصناعة النجوم، وأنها بصدد إنتاج سلسلة أفلام جديدة بطلها الأوحد أوباما فى هذه المرحلة!.

الخطاب الذى ألقاه أوباما فى جامعة القاهرة لا يحمل بصماته الشخصية فقط وإنما هو نتاج النظام المؤسسى الأمريكى كله بحلته الديمقراطية الجديدة، وفى مرحلة أزمة طاحنة يسعى للخروج منها. ولا جدال فى أن الإدارة الأمريكية الجديدة أدركت أمرين على جانب كبير من الأهمية، الأول: أن أزمات الشرق الأوسط كلها باتت متداخلة ومرتبطة ببعضها البعض على نحو يتعذر معه حل أى أزمة بمفردها ما لم يكن هناك تصور عام للتعامل معها جميعا من خلال «حزمة أفكار واحدة».

والثانى: أن الصراع الفلسطينى – الإسرائيلى هو المدخل الصحيح للتعامل مع هذه الأزمات، ويشكل المعمل الذى يجب أن تخرج منه الأفكار التى ستحدد فى النهاية شكل ومضمون الحزمة المرغوب فيها. أما أوباما النجم فقد تكفلت شخصيته الكاريزمية بعملية الإبهار المطلوبة لإقناع المشاهدين بأن أمريكا تغيرت وأنها قادرة على إنتاج سينما جديدة جادة وهادفة تختلف عن سينما العنف والجنس التى اتسمت بها المرحلة السابقة.

لست هنا بصدد التعليق على خطاب أوباما أو تحليل دقة ومغزى ما ينطوى عليه من توازنات، فلهذا مقام آخر. لكننى أكتفى هنا بالقول إن مفردات الخطاب، وما عكسه من توازنات بالغة الدقة، خضعت لعملية تمحيص مسبقة جرت بعناية فائقة.

ويوحى الخطاب بأن شيئا كبيرا يجرى الإعداد له وبخطوات تبدو مدروسة بعناية، وربما نكون على أبواب منهج أمريكى جديد لإدارة الصراع العربى – الإسرائيلى فى سياق إدراك متزايد لحقيقة وآليات ارتباطه بمجمل قضايا وأزمات الشرق الأوسط الأكثر تأثيرا على المصالح الأمريكية المباشرة فى هذه المنطقة.

أهم معالم الاستراتيجية الأمريكية الجديدة فى هذه المرحلة هو تفضيلها للعمل الدبلوماسى، مع التأكيد فى الوقت نفسه على أن هذا الموقف ليس نابعا من إحساس بالضعف، وإنما عن رغبة فى إعادة ترتيب جديد للأوراق والأدوار على نحو يساعد على مد الولايات المتحدة بمصادر قوة جديدة، مع التأكيد فى الوقت نفسه على عدم استبعاد الخيارات العسكرية كملاذ أخير،

وهو توجه حميد على أى حال يتعين الترحيب به، لكن أخشى ما أخشاه أن يكون العالم العربى، خاصة معسكر «المعتدلين» فيه، غير مستعد وغير جاهز وغير مؤهل للتعامل معه ومع متطلبات المرحلة كلها.

قراءتى الخاصة لعملية إدارة الصراع فى المنطقة تقول إن العالم العربى يجيد فن الممانعة ورفض الإملاءات أكثر مما يجيد فن التفاوض والمساومات. وعندما تشتد المواجهة ينشطر العرب إلى شطرين: أحدهما يفضل الخضوع والاستكانة، والآخر يضطر للرفض والمقاومة، وفى كلتا الحالتين لا تتوافر لأى منهما قيادة موحدة!. أما فى فترات البحث عن حلول بالطرق الدبلوماسية فغالبا ما ينشطر العالم العربى ويتفرق شيعا وأحزابا مما يمنح خصومه فرصة لتحقيق إنجازات كبرى.

وأخشى ما أخشاه أن يتمكن أوباما من تشكيل جبهة موحدة بقيادته تضم القوى الغربية الرئيسية وإسرائيل ومحور «المعتدلين العرب» للتفاوض مع إيران وحدها بوصفها زعيمة معسكر «المتشددين فى المنطقة»، وهنا مكمن خطورة أوباما. لذا وجب الانتباه!

About this publication