أوباما والاستيطان.. هل يفوق أسلافه الثمانية؟/د. وحيد عبدالمجيد
مازال الرئيس دوايت ايزنهاور( يناير53 ـ يناير1961) هو الأفضل بالنسبة إلي العرب عند إجراء مقارنة بين سياسات ورؤساء الولايات المتحدة تجاه الصراع العربي ـ الإسرائيلي. ويأتي بعده, في ترتيب الأفضلية, الرئيس جورج بوش الأب( يناير89 ـ يناير1993).
ولأن كليهما جمهوريان, فقد شاع اعتقاد لفترة طويلة في كثير من الدوائر العربية في أن الرؤساء الذين ينتمون إلي الحزب الجمهوري أفضل بشكل عام مقارنة بأقرانهم الديمقراطيين.
وبالرغم من أن رئيسين ديمقراطيين, هما جيمي كارتر( يناير1977 ـ يناير1981) وبيل كلينتون( يناير1993 ـ يناير2001), حظيا بتقدير إيجابي من جانب بعض العرب, فلم يكن هذا كافيا لتغيير الاعتقاد الشائع في أفضلية الرؤساء الجمهوريين. فالنجاح الذي حققه كارتر, في التوصل إلي إطار كامب ديفيد ثم المعاهده المصرية ـ الإسرائيلية, قوبل برد فعل سلبي من جانب قطاع واسع من العرب. أما الجهد الكبير, الذي بذله كلينتون في السعي الي حل نهائي لقضية فلسطين, فقد بدده الإخفاق الذي اندلعت إثره أعنف مواجهات في الأراضي المحتلفة منذ1967.
كما تبدد, في ظل هذا الإخفاق, الأثر الإيجابي لموقفه القوي في مواجهة بنيامين نتانياهو عقب توليه رئاسة الحكومة الإسرائيلية للمرة الأولي عام1996.
ولذلك فمن بين أسئلة عدة يثيرها التفاؤل العربي, وترحيب العالم الإسلامي في مجمله, بالرئيس الحالي أوباما, يبرز السؤال عن إمكان أن تسدل سياسته, أو نظرتنا إلي هذه السياسة, الستار علي فكرة أفضلية الرؤساء الجمهوريين.
وبالرغم من أن هناك من لا يقبلون هذه الفكرة, علي أساس أن الأمريكيين سواء في انحيازهم الكامل لإسرائيل, فهي صحيحة في مجملها من زاوية الفروق الكمية بين سياسات ومواقف رؤساء الولايات المتحدة.
وهي تظل سليمة حتي إذا استبعدنا الرئيس ايزنهاور, لأن موقفه ضد العدوان الثلاثي علي مصر1956 وإصراره علي انسحاب إسرائيل من سيناء1957, ارتبط بسياسة استهدفت مد النفوذ الأمريكي الي الشرق الأوسط وتصفية ما كان قد بقي من نفوذ الاستعمار القديم.
والأرجح, إذن, أنه لو كان ساكن البيت الأبيض في ذلك الوقت ديمقراطيا, لاتخذ الموقف الذي تبناه ايزنهاور أو ما يقرب منه.
ومع ذلك, يظل الرؤساء الجمهوريون متفوقين علي نظرائهم الديمقراطيين, في المحصلة النهائية. خذ مثلا قضية الاستيطان, التي يثير موقف الرئيس أوباما تجاهها تفاؤلا عربيا وإسلاميا ملموسا الآن. فما زال جورج بوش الأب الجمهوري هو صاحب الموقف الأقوي في هذا المجال حتي الآن. هو لم يكتف بانتقاد حكومة اسحق شامير علنا وبقوة عام1989 بسبب إصرارها علي التوسع الاستيطاني, وإنما قرر معاقبتها بإلغاء ضمانات لقروض أمريكية كانت في أشد الحاجة اليها لاستيعاب هجرة اليهود السوفيت الكثيفة في ذلك الوقت. كما أوقف الاتصالات معها. وقال وزير خارجيته جيمس بيكر حينئذ قولته المشهورة: إن المسئولين الإسرائيليين يعرفون أرقام هواتف وزارة الخارجية الأمريكية.
وحتي سلفه رونالد ريجان, الذي يعتبر أحد أسوأ الرؤساء الأمريكيين من زاوية سياسته تجاه إسرائيل, فقد اتخذ موقفا لا بأس به عندما فاض به الكيل عام1986. فقد رفض علنا طلب حكومة شامير غلق مكتبين غير رسميين كانا لمنظمة التحرير في واشنطن ونيويورك, ردا علي عملية فدائية فلسطينية كبيرة, بسبب استمرار الاستيطان.
ولكن ريجان كان, في الوقت نفسه, هو أول من توقف عن استخدام تعبير المستوطنات غير الشرعية الذي درج عليه أسلافه تطبيقا للموقف الذي اتخذته إدارة ليندون جونسون علي استحياء وأكدته إدارة ريتشارد نيكسون عقب حرب1967, وهو عدم قانونية أي تغيير في أوضاع الأراضي المحتلة في تلك الحرب.
ولكن هذا الموقف لم يكن أكثر من تطبيق أوتوماتيكي لاتفاقية جنيف الرابعة1949 التي تلزم دولة الاحتلال بعدم نقل أي من سكانها المدنيين إلي الأراضي التي تقوم باحتلالها.
وفي ظل هذا الموقف نظريا لم تبادر أي إدارة أمريكية إلي إلزام إسرائيل به, وكان أقصي ما بلغته الولايات المتحدة في هذا المجال هو توجيه نقد ناعم إلي إسرائيل بسبب عدم التزامها باتفاقية جنيف الرابعة. وكان جورج بوش الأب هو أول مسئول أمريكي ينتقد إسرائيل لهذا السبب في الأمم المتحدة عندما كان مندوبا لبلاده فيها عام1971.
ولكل ذلك, لن يكون الموقف الذي تبناه أوباما حتي الآن ضد استمرار الاستيطان كافيا لارتقائه إلي مرتبة تعلو بوش الأب, وايزنهاور من قبل. فهذا موقف تبناه قبله ثمانية رؤساء. وحتي بوش الابن, الذي يسود اعتقاد في أنه الرئيس الأسوأ, رفض مواصلة الاستيطان. وقال بشكل متكرر, منذ خطابه في4 أبريل2002 الذي دعا فيه إلي حل الدولتين, إن الاستيطان في المناطق المحتلة يجب أن يتوقف.
ولكن الجديد المفيد في موقف أوباما هو أنه أعاد السياسة الأمريكية تجاه الاستيطان إلي ما كانت عليه حتي فترة رئاسة جيمي كارتر, عبر إعلانه الصريح أن هذا الاستيطان غير شرعي, وليس فقط غير مقبول, وأنه يتعارض مع القانون الدولي وليس فقط مع متطلبات الحل السلمي. وقد قال في خطابه في جامعة القاهرة قبل أيام إن( الولايات المتحدة لا تقبل مشروعية استمرار المستوطنات الإسرائيلية).
ولكن هذا الموقف لا يعطي أوباما أفضلية علي رؤساء سبقوه إلا إذا مارس ضغطا علي إسرائيل لحملها علي تجميد الاستيطان, ونجح في ذلك. وفي هذه الحالة, سيحافظ علي التقدير الواسع الذي يحظي به الآن في العالم الإسلامي, بغض النظر عن قدرته في النهاية علي تحقيق حل مرض.
وفي كل الأحوال, لن يكون في إمكان أوباما أو غيره في الولايات المتحدة تعويض الخسائر الهائلة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني, بما فيها تلك التي ترتبت علي عدم تحول الموقف الأمريكي ضد الاستيطان إلي سياسات فاعلة. فقد بلغ عدد المستوطنين ما يقرب من ثلاثمائة ألف في الضفة الغربية, ونحو190 ألفا في القدس. وهذا هو ما يجعل المشكلة, التي كانت بسيطة قبل عقدين أو ثلاثة, شديدة التعقيد اليوم.
لقد سبق أوباما ثمانية رؤساء في البيت الأبيض عارضوا جميعهم الاستيطان. ولكن القليل منهم فقط أزعجهم ـ للحظة أو للحظات قليلة ـ استمرار إسرائيل في بناء المستوطنات. وفي إمكان أوباما أن يتفوق عليهم إذا نجح في وقف هذا البناء اليوم, وليس غدا, لأن التوسع الذي تقوم به حكومة نيتانياهو لن يترك خلال عامين علي الأكثر مجالا لمستزيد.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.