Obama and the Bitternessof Facts on the Ground

<--

اوباما وعلقم الحقائق على الأرض

يوسف حمدان

22/06/2009

كنت أتمنى أن أشارك المصفقين سعادتهم بخطاب أوباما في القاهرة. وأعترف أنني في لحظات من التمني الساذج حاولت أن أقنع نفسي بأن بعض العبارات ربما تنم عن تغيير جوهري في السياسة الأمريكية إزاء العالم العربي والعالم الإسلامي.

تذكرت أن أي عربي وأي مسلم تلقى دروسا في التاريخ في جامعة غربية ربما صدمته حقيقة أن ذلك التاريخ ينتقل من العصور القديمة، المنتهية بسقوط روما في القرن الخامس، إلى عصور الظلام، المنتهية ببداية عصر التنوير في القرن السابع عشر، بدون أن يأتي على ذكر الحضارة الإسلامية التي حملت شعلة الحضارة الإنسانية على مدار قرون الظلام الأوروبية، ولولا نورها لما أضاءت شعلة التنوير في أوروبا التي مهدت السبيل لنهضتها من السبات العميق. قلت في نفسي: أخيرا جاء رئيس لزعيمة دول الغرب ليصحح ذلك التاريخ الجاحد ويعترف لأول مرة بأن الحضارة الإسلامية أضاءت بنورها بقاعا شاسعة من العالم بينما كان الغرب غارقا في عصور الظلام الحالك.

وقلت في نفسي: أخيرا جاء رئيس الدولة التي كانت على مدى عقود وما زالت تشكل العقبة الأساسية أمام ممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير مصيره في وطنه واعترف بأن محنة الشعب الفلسطيني لم تبدأ في عام 1967 بل أن معاناته من التشرد وحرمانه من الكرامة الوطنية والأمن والسلام بدأت قبل أكثر من ستين عاما.

وعندما سمعته يتحدث عن جون آدمز وتوماس جيفرسون، قلت في نفسي: لعل الرئيس الأمريكي الجديد أراد أن يعيد بناء سياسة بلاده الخارجية في القرن الحادي والعشرين على المبادئ التي أرساها المؤسسون الأوائل في القرن الثامن عشر بعد توقيع معاهدة طرابلس، وبعد أن سبق المغرب أي بلد آخر في الاعتراف بالجمهورية الجديدة، عندما أعلن جون آدمز، الرئيس الثاني للولايات المتحدة، أن الجمهورية الجديدة ليس من شيمها العداء لقوانين المسلمين أو لدينهم ونظام حياتهم.

كانت أمامي فرصة للشعور بالنشوة أمام العبارات الجميلة والصحيحة أحيانا. ولكن من طبيعة الأشياء أن الحقائق العنيدة على أرض الواقع أقوى من أي خيال. والحقائق على الأرض تثير أسئلة لا يقوى على الإجابة عنها أي خطاب.

من بين الأسئلة العنيدة التي لا يستطيع المرء التهرب منها وهو يستمع إلى خطاب أوباما أنه إذا كان فعلا يريد إقامة علاقات احترام متبادل ومصالح مشتركة مع المسلمين، فلماذا ما زالت الولايات المتحدة تسجن أبناء المسلمين وتعذبهم، وحدهم دون سواهم من شعوب المعمورة، في سجون تنتشر في أنحاء العالم، بما فيها بلدان إسلامية، وليس في سجن غوانتنامو وحده الذي قرر إغلاقه؟ ولماذا يمنع أوباما، كما أفادت الصحف الأمريكية، المعتقلين في سجن بغرام الكبير في أفغانستان من حق المثول أمام المحاكم؟ ولماذا أحجم بعد أن وعد بنشر وثائق وصور التعذيب؟ وهل من بوادر احترام المسلمين تكليف أنظمة إسلامية قمعية بتعذيب المعتقلين المسلمين الذين ينقلون إليها خصيصا لهذا الغرض؟

ولماذا ما زالت القوات الأمريكية تحتل بلادا إسلامية وتقتل المدنيين فيها بطائرات لا يقودها طيار في حين أنها لا تجد من اللائق أن تعلن عن عدد المدنيين الذين قتلتهم بمئات الآلاف في العراق وفي أفغانستان؟ ولماذا ما زال مليون ونصف المليون من الفلسطينيين في غزة يعيشون في سجن كبير ويحرمون من أبسط أسباب الحياة؟ لماذا لم يقل لنا السيد أوباما كلمة واحدة قبل أو بعد أن صار رئيسا عن حرق أطفال ونساء ورجال المسلمين والمسيحيين في غزة بقنابل الفوسفور الأبيض الأمريكية الصنع؟

صحيح أن أوباما يختلف كثيرا عن بوش لأن صورته وخطابه لا يشكلان خطرا على الجهاز العصبي للمشاهد والمستمع، لا سيما المشاهد والمستمع العربي والمسلم، مثلما كان بوش. وصحيح أنه أعلن احترامه للمسلمين ولم يعلن حربا صليبية مثلما فعل بوش. ولكن الحقيقة المرة القائمة حاليا على أرض الواقع هي أن الولايات المتحدة ما زالت تنشر في العالم الإسلامي من الجنود ما يزيد على أكثر من 20 ضعفا لعدد الجنود الذين نشرتهم الحملات الصليبية في أراضي المسلمين في القرن الثاني عشر.

وهل من مظاهر الاحترام للمسلمين إقامة كل تلك القواعد العسكرية الهائلة من العراق إلى أفغانستان ومن الخليج العربي إلى باكستان وطاجيكستان وأوزبكستان وقيرغيزستان؟

والسؤال العنيد الذي يظل يلاحق عقل المستمع إلى خطاب أوباما عن احترامه للمسلمين: هل قرر أخيرا بعد عقود من النهب والسلب أن يتخلى لشعوب المنطقة عن موارد البترول ومنشآته المنتشرة من الشرق الأوسط إلى بحر قزوين؟ أم هل ينم هذا الاحترام المعلن للمسلمين عن رغبة دفينة في تفويض بعض الوكلاء المحليين لتنفيذ سياسات الامبراطورية في دار الإسلام؟ إنني لا أرفض حلاوة الكلام الجميل وعبارات الاحترام، ولكن ما أرفضه هو علقم الحقائق على الأرض.

About this publication