2009
أ.د. إبراهيم إسماعيل كتبي
وجاء الرئيس الأمريكي للمنطقة و قال كلمته للعالم الإسلامي، وهي بالتأكيد غير ما قاله وفعله سلفه بوش، وفرق كبير بينهما في ثقافتهما وقناعاتهما وسياساتهما.
من أجل هذا كان الترحيب بالرئيس الأمريكي أوباما منذ الإعلان عن ترشحه، وشعرنا أنه الأقرب عن كل ما يمت لبوش وحزبه وسيرتهم بصلة، وقلنا يكفينا أصل وفصل الرئيس الجديد، وهكذا عادتنا كرأي عام تجاه كل شيء وحتى المصلحة نزنها بالعواطف، فالبعض لا يرى إلا تغييرا في الوجوه وأن سياسة أمريكا ستظل كما هي، وأن الرئيس الأمريكي عليه أن يأمر إسرائيل بإعادة الأراضي المحتلة وأن يحجم إسرائيل ويقيم لنا الدولة الفلسطينية، وأن يخرج من العراق قبل ذلك وكذا من أفغانستان، والبعض طالبه بالاعتذار عما فعله سلفه.
باختصار البعض أراد أن يحقق الرجل كل شيء في الخطاب لحل كافة مشكلات المنطقة، فيغادرها وقد انسحبت إسرائيل إلى حدود 67 وأعلن قيام الدولة الفلسطينية وكل القضايا الكارثية العالقة في منطقتنا.
أليس في هذا تسطيح ومبالغة فيما ننتظره من الغير ونتجاهل ما يستوجب على أمتنا.. حتى حركة حماس أصدرت بيانًا تعقيبًا على زيارة وخطاب أوباما، وهو بيان لا طعم له ولا لون، وكأنها تملك كل الخيارات والقوة لتنفيذها، ولم نسمع اعتذارا ورجعة عن شرذمة الصف الفلسطيني والصراع الداخلي الذي قسم الجغرافيا والشعب والقرار.. فقالوا إن رئيس أمريكا كان عليه أن يفعل ويفعل ويصدر فرمانات خلال الخطاب، وتناسوا عمدا أنهم الأولى بالحرص على المصلحة الوطنية الفلسطينية أولا حتى يقولوا لأمريكا وهي تتغير، أننا تغيرنا أيضا وجاهزون لأي خطوة للأمام، وأن الكرة في ملعبه بعد أن وضع الاحتلال الإسرائيلي العصا الغليظة في دولاب تحركاته.
البعض عقب وشكك في نوايا الرئيس الأمريكي وأنه جاء من أجل صورة أمريكا ولا غيرها، ولو فكرنا قليلا سندرك بديهية بسيطة، هي أن الرئيس الجديد يدرك مصلحة بلاده في هذه المرحلة بعد كل ما خرّبته إدارة بوش، ويدرك ( بالنسبة للعالم العربي والإسلامي ) أن تغيير الصورة لا تصنعها مجرد كلمات، وأن مصداقيته ليست في أن يكون مفوها ولا أن يظل خطيبا، لكن التغيير يبدأ بإعلان النوايا وقد فعَل وأعلن مد يده وبلاده للعالم الإسلامي، وبدأ بخطوات داخل بلاده لتخفيف القيود، واستمع شعبه وشعوب العالم الغربي لإدانته لكل عمل يسيء للإسلام كدين عظيم، كما أكد على المصلحة والاحترام المتبادلين، فهم يحتاجوننا بقدر ما نحتاج أمريكا في تطورنا وقضايانا، فلماذا نصر على النظارة الرمادية والسوداء.
عن نفسي رأيت الخطاب إعلان نوايا، وهو لم يقل غير ذلك سواء قال ما يرضينا وما قد ينصفنا أو لم يقل، فالقضايا كثيرة، إن كان في انعدام الثقة أو الحقوق المشروعة. وإنما كما نحتاج لدور أمريكي نزيه ويجب تصحيح دورها كقوة عظمى.. على أمتنا أيضا أن تستعد لتتعامل مع توجهات الإدارة الأمريكية الحالية.
ثقافة الرفض للأسف تجذرت في الحكم على الآخر بنفس مبدأ بوش دون نقطة ضوء
(من ليس معنا بالمطلق فهو ضدنا على طول الخ) لكنها تحولت إلى الذات بانقسام عربي وفلسطيني ذهب بعيدا، ويصر البعض على سياسة المحاور، ويتوارون خلف تصنيفات اعتدال وممانعة، ويقصدون الإساءة لمعنى الاعتدال وتشويهه، وغالطوا كثيرا في وصف أنفسهم بالممانعة، فأي ممانعة تلك ؟ وضد من وضد ماذا ؟! والممانعون أنفسهم يخطبون ود إسرائيل قبل أمريكا وإن ادعوا غير ذلك جهرا، ولا مانع من أن تظل ممانعتهم عقودا وعقودا حتى لا يعلو صوت فوق صوت الممانعة.. وأن يشعلوا حروبا يحرصون أن لا تطال أثوابهم وأقصد حدودهم، وإلا فالحرب على غزة كانت فرصة للممانعة الحقيقية والتصدي على الأرض من جبهات أخرى محتلة وليس عبر شاشات الفضائيات. أما أمريكا ومصالحها وأوباما وخطابه، فستظل خميرة لكل من يريد عجنا وخبزا على هواه ويبقى الحال على ماهو عليه!!