U.S.-Israeli Relations: Nothing New

<--

بينما كان المتفائلون بخطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما «الودود» حيال العرب المسلمين وقضيتهم المركزية (القضية الفلسطينية) في جامعة القاهرة، يعدون العدة لتسويق فضائل هذا التغيَر النوعي في الخطاب الأميركي، وقدرته المفترضة على إحداث اختراق في جدار التعنت الإسرائيلي، وإعادة إطلاق مسيرة التسوية السياسية، بعد إجبار إسرائيل على وقف عمليات الاستيطان والاعتراف بـ«حل الدولتين»، أطل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على جمهوره المنتقى بعناية في معقل اليمين الإسرائيلي الأكاديمي، جامعة بار إيلان، حاملا معه لاءاته التاريخية «المعدَلة» التي حاولت الالتفاف على خطاب إدارة أوباما، ولاسيما على العنوانين الرئيسيين المتعلقين بالاستيطان والدولة الفلسطينية، ووضع حد لحالة الجدل المتصاعد داخل إسرائيل وفي جوارها العربي والإقليمي حيال الحد الأقصى الذي يمكن أن تعرضه إسرائيل المتكئة على العلاقة الإستراتيجية «غير القابلة للكسر»، وفق ما جاء في خطاب أوباما في القاهرة، مع الولايات المتحدة، وعلى تشظي المواقف العربية وهشاشتها، وانقسام الفلسطينيين غير المسبوق.

البضاعة السياسية التي عرضها نتنياهو في «بار- إيلان» تجاوزت في جوهرها مسألة رفض أو قبول الخطط والمبادرات المطروحة من نمط خطة «خريطة الطريق» و«تفاهمات أنابوليس» ومبادرة السلام العربية التي لم يتطرق إليها الخطاب من قريب أو من بعيد، إلى الرغبة في إضفاء شرعية، بأثر رجعي، على المشروع الصهيوني منذ بدايته، حيث تضمنت هذه البضاعة مطالبة الفلسطينيين بالاعتراف بيهودية دولة إسرائيل كشرط مسبق للقبول بدولة فلسطينية منزوعة السلاح بضمانات دولية وأمنية، وبلا أي سيادة حقيقية، أي لا تملك السيطرة على أجوائها، وليس لها الحق في تشكيل جيش، أو إبرام أي اتفاقات عسكرية مع أي دولة، ومراقبة ذلك عبر آليات دقيقة ومحددة. كما تضمنت الدعوة إلى حل قضية اللاجئين الفلسطينيين خارج حدود دولة إسرائيل، وإعادة تأكيد أن القدس الموحدة ستبقى عاصمة أبدية لإسرائيل، وتكرار الحديث عن وقف مصادرة أراضي الفلسطينيين لأغراض الاستيطان، ما يعني مواصلة البناء ليس فقط في المستوطنات القائمة، وإنما كذلك في «أملاك الغائبين» وفي الأراضي المشاع التي تشتمل على معظم أراضي الضفة الغربية، علما أن الكتل الاستيطانية الثلاث في الضفة (معاليه أدوميم وغوش عتصيون وأريئيل) والمستوطنات الأخرى التي يناهز عددها الـ200 مستوطنة، إضافة إلى شبكة الطرق الالتفافية وما انتزعه جدار الفصل العنصري من أراض فلسطينية، تستحوذ على ما نسبته نحو 40% من أراضي الضفة الغربية، دون احتساب ما تسميه إسرائيل القدس الكبرى ومنطقة غور الأردن التي أعلنت تل أبيب منذ زمن أنها بصدد ضمها.

منطقياً، كان ينبغي أن تعوم الساحة السياسية والإعلامية، بعد خطاب نتانياهو، فوق بحيرات من التصريحات والتعليقات المختلفة والمتنوعة، والتي يفترض أن يكون قاسمها المشترك البحث عن الثغرات والفجوات التي تفصل بين أجندة الحكومة اليمينية الإسرائيلية المتضمنة في الخطاب، ورؤية الإدارة الأميركية المعلن عنها، وإن بشكل غير متبلور، في خطاب القاهرة، والاجتهاد في توقع التداعيات التي سيخلفها الخطاب الإسرائيلي على الرئيس الأميركي الطامح إلى تغيير الصورة الأميركية البشعة لدى العرب والمسلمين، وإعادة هيكلة المصالح الأميركية وتموضعها في الشرق الأوسط، غير أن ترحيب إدارة أوباما بالخطاب واعتباره «خطوة مهمة إلى الأمام»، لجم الكثير من ردود الفعل العربية المفترضة والمتوقعة، وأربك المتفائلين بإمكانية جنوح الأميركيين نحو ممارسة ضغوط معينة على إسرائيل، بعد أن صعب على هؤلاء هضم الترحيب الأميركي، وتلمَس «أفق» الدولة الفلسطينية الذي رآه وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير في خطاب نتنياهو الذي أعاد الأمور إلى المربع الأول، وحاول التموضع بين المطالبة الأميركية بنطق الكلمة السحرية (الدولة الفلسطينية) بصرف النظر عن السياق والاشتراطات، وبين اشتراطات أغلبية «الليكود» والحلفاء في الائتلاف الحكومي، دون نسيان حقيقة أن نتنياهو نفسه يعتبر أن الدولة الفلسطينية، وبصرف النظر عن طبيعتها، هي، في الجوهر، تبديد لـ«الحق اليهودي» المطلق.

وعليه، يمكن المغامرة بالزعم أن خطاب نتنياهو لم يكن ممكنا أن يكون على هذه الشاكلة لو لم يكن صاحبه يؤمن بأن تطلعات أوباما المعلنة لتحقيق السلام ليست أكثر من محاولة لإرضاء العرب، وهي سرعان ما ستصطدم بالواقع الفعلي الذي يقول إن إسرائيل هي الحليف الإستراتيجي الأهم للولايات المتحدة في المنطقة. ومن ثم، يمكن بيع الإدارة الأميركية الجديدة بعض الكلام المعسول عن الدولة الفلسطينية، والتركيز، في الوقت ذاته، على «الأعداء الحقيقيين» المتمثلين في إيران و«حزب الله» وحركة «حماس» وكل الأصوليين الذين يشكلون «الخطر الأكبر» ليس فقط على إسرائيل، وإنما على الدول العربية وبلدان العالم الحر. كما يمكن الزعم بأن نتنياهو قرأ جدياً، وأكثر من كل العرب، تأكيد الرئيس الأميركي، في خطاب القاهرة، على قوة ومتانة العلاقات الأميركية- الإسرائيلية واعتبارها «غير قابلة للكسر»، كما هضم بسلاسة حديثه عن «حق اليهود في وطن قومي» في فلسطين، وتجنبه تحميل إسرائيل مسؤولية مأساة الفلسطينيين، ومساواته، وإن بطريقة غير مباشرة، بين معاناتهم ومعاناة اليهود الذين أودت «المحرقة بحياة ستة ملايين منهم»، حسب تعبيره، وإشارته إلى ما سماه «صعوبة تقديم التنازلات» من قبل الجانبين، الإسرائيليين والفلسطينيين، وأخيراً، عدم رغبة إدارته (وعدم قدرتها) في فرض أي شيء على الطرفين، وواجب العرب في دفع «مسيرة السلام» من خلال بعض الخطوات التطبيعية التي تساهم في تحقيق هذه الهدف.

ولعل من المهم التذكير، في هذا السياق، أن سياسة الولايات المتحدة التقليدية تجاه إسرائيل تنطلق من اعتبارات إستراتيجية لها علاقة بمصالح عميقة وواسعة وبعيدة المدى يصعب تخيَل تأثرها بأي خلافات تكتيكية ذات طابع مرحلي، كما لا بد من التذكير أن أداء الدولة الوظيفية (إسرائيل) لم يسر طوال السنوات والعقود الماضية بشكل مستقيم على سكة الأوتوستراد الأميركي، إذ يمكن إيراد كم لا بأس به من الوقائع التي عبَرت، بشكل جلي، عن اضطراب مؤشر العلاقة بين الجانبين وتذبذبه بين النظر إلى إسرائيل كذخر إستراتيجي للمصالح الأميركية في المنطقة، وبين اعتبارها عبئا بدأ منسوبه بالارتفاع في السنوات التي تلت انتهاء الحرب الباردة (بعد 1991)، حين بدأ كثيرون يرون في إسرائيل دولة تؤدي إلى عدم الاستقرار في الشرق الأوسط وتقف في وجه السياسة الأميركية في المنطقة.

المهم، هو أن الجوهري في «الإشكال» الأميركي- الإسرائيلي الذي يجري تصويره على أنه أحد تجليات التغيير النوعي في مقاربة إدارة أوباما للصراع العربي- الإسرائيلي والقضية الفلسطينية، هو أن الأميركيين يرون أن ثمة فرصة سانحة لإعادة بناء الثقة بالدور الأميركي في المنطقة، وفك عرى التحالف بين كل من دمشق وطهران، وخلق اصطفاف عربي خلف مقولة أن إيران هي الخطر الأكبر على المنطقة ومصالح دولها وشعوبها. ومدخل ذلك هو ملف التسوية الذي ينبغي أن يعاد فتحه بطريقة مبتكرة: المطالبة بوقف الاستيطان الإسرائيلي؛ حل لقضية اللاجئين الفلسطينيين من خلال توطينهم في الدول المضيفة، ومنح حق العودة فقط لمن يرغب في العودة للدولة الفلسطينية؛ ضمان سلام كامل لإسرائيل مع الدول العربية والإسلامية؛ قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح وعاصمتها في القدس الشرقية (والمقصود هنا وفق المرئي بعض الأحياء والبلدات المتاخمة للقدس)؛ إقامة نظام دولي للإشراف على القدس القديمة، وأخيراً حل مسألة الحدود بتبادل أراض. وقد أوضح هذا التوجه مساعد مبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط، وأحد قدامى الخبراء المسؤولين الأميركيين العاملين في قضية الشرق الأوسط، مارتن أنديك، عندما اعتبر في تصريحات نشرتها صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، أن هناك ثلاث فرص تحمل بعداً تاريخياً اليوم لتحقيق السلام: «القلق المشترك لإسرائيل والعرب من خطر التسلح النووي الإيراني وتبعاته»؛ تعب شعوب المنطقة من الحرب؛ وطرح سورية موقفاً مسانداً لعملية السلام، ما سيضعف، بتقديره، «المخطط الإيراني للسيطرة على المنطقة».

About this publication