The Looming American Military Defeat in Afghanistan

<--

تابع المسلمون في شهر رمضان المبارك بفتور متوقع مسرحية الانتخابات الأفغانية التي روجت

لها بشكل كبير وأخرجتها قوى الاحتلال الأجنبي لذلك البلد المسلم المنكوب فجاءت النتائج شوهاء مزورة لتحقيق أهداف المحتل وليس لمصلحة الشعب الأفغاني، في أجواء مشابهة للانتخابات الفيتنامية المزورة التي أدارها الاحتلال الأمريكي عام 1970م بفيتنام. وتزامن مع الانتخابات الأفغانية التي لا تعني في الحقيقة شيئاً سوى محاولات شرعنة الاحتلال ظهور تقرير القائد العام للقوات الأمريكية الجنرال «ستانلي ماك كريستل» عن احتمالية الخسارة العسكرية الواضحة لأمريكا أمام قوات طالبان خفيفة التسليح على الرغم من العدد الكبير للقوات الأمريكية بأفغانستان البالغ قوامها 107,000 معززة بتقنيات متطورة جداً كمثل المراقبة الفضائية وبترسانة أسلحة جبارة منها القاذفات الاستراتيجية الـ بي-1 وناقلات الجند من طراز الـ سي-130 والمقاتلات العتيدة من طراز الـ إف-15 وإف-16 وإف-18 والطائرات المروحية كمثل الأباتشي وسواها من طائرات الهيليكوبتر والطائرات الموجهة (من غير طيار) والمدفعية الثقيلة إضافة للدبابات، ناهيك عن الأسلحة المحرمة دولياً كمثل الفسفور الأبيض والقنابل العنقودية.

و لعل الفشل الأكبر لتلك الانتخابات الأفغانية بإشراف وإخراج مسرحي أمريكي في ظل شبح الهزيمة التي حذر منها الجنرال «ماك كريستل» بعد أن أنفقت بلاده ما يزيد عن 250 مليار دولار على حرب أفغانستان هو الغياب الكامل للدولة الأفغانية على الرغم من وجود حكومة معينة أمريكياً لا تتعدى سلطتها أجزاء من العاصمة كابل بل وانتفاء إمكانية قيام دولة أفغانية في ظل هذه الحكومة المعينة الهزيلة إذ أن بقية البلاد في قبضة المجموعات المسلحة على رأسها بالطبع الطالبان، لا سيما في ظل تردي الوضع العسكري للقوات الأمريكية بأفغانستان التي أصبحت في حالة خشية شديدة وتوجس متواصل من هجوم طالباني كاسح في عدد من المدن الأفغانية على غرار هجوم «تيت» المباغت الفيتنامي الشهير عام 1968م الذي سجله التاريخ كبداية الهزيمة الأمريكية الكبرى بفيتنام.

لو عقدنا مقارنة بين الاحتلالين السوفيتي والأمريكي لأفغانستان فإن الاحتلال الأمريكي أشد هشاشة لأن السوفيات قاموا قبل غزوهم لأفغانستان بتأسيس جيش موالٍ قوامه 240,000 جندي غالبيتهم من الشيوعيين المواليين لموسكو، وقد قام ذلك الجيش البائد بالقتال لاحقاً في العديد من الأحيان إلى جانب السوفيت بضراوة ضد أبناء وطنهم ولكنهم خسروا في نهاية المطاف ولله الحمد والمنّة وشنق نجيب الرحمن رجل موسكو القوي بكابل. بالمقابل فشل الأمريكيون فشلاً ذريعاً في تشكيل جيش أفغاني كان يراد له أن يكون قوامه 250,000 مقاتل إذ لم يجتمع له إلا 80,000 غالبيتهم الساحقة أو ما يزيد عن 95% من تعداده من الأميين الذين لا ولاء لهم لا للأمريكيين ولا للحكومة الأفغانية المعينة بل ينصب جل همهم في الحصول على لقمة العيش لهم ولعوائلهم، وقد وجدت القوات الأمريكية النظامية ذاتها غير قادرة البتة الاعتماد على هذا الجيش الهزيل الذي يتكون من الأقليات العرقية الأفغانية من الطاجيك والأزبك والهازار وليس من رجال الباشتون الأشاوس، ويعلم أولئك الموالون للغزاة أي منقلب سينقلبون بمجرد رحيل المستعمر عن أفغانستان، ويريد ماكريستيل أن يغير النتيجة باستراتيجية التصعيد بطلب 40,000 جندي أمريكي إضافي بأفغانستان بعد أن تضاعف عددهم ثلاث مرات منذ أن تولى الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما الرئاسة بأمريكا إضافة إلى الـ 74,000 من المرتزقة الأمريكيين العاملين بأفغانستان من خلال شركة «البلاك ووتر» وأضرابها.

من مؤشرات الفشل العسكري الأمريكي القادم بأفغانستان هو التخبط في إستراتيجية إدارة الحرب وهذا واضح من التصريحات المتضادة للمسؤولين العسكريين الأمريكيين، فبمقابل تقرير «ماك كريستيل» الذي يمكن تلخيص الرسالة التي جاءت فيه في جملة واحدة مختصرة بإن العسكرية الأمريكية بحاجة إلى المزيد من المجهود التكتيكي التقليدي المضاد للمقاومة الأفغانية ويترجم ذلك إلى المزيد من الموارد المالية ومئات الألوف من الجنود، صرح أحد كبار قادة وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون «مايك مولين» أمام الكونغرس بالتالي (علينا أن نقوم ببناء جيش وشرطة أفغانية بشكل سريع)، كيف يمكن أن يكون ثمة جيش وشرطة في بلاد مشرذمة لا دولة فيها؟؟!. عوداً على التخبط الاستراتيجي، جاء في التقرير (ليست الموارد الإضافية بكافية لضمان النجاح ، لكنها ضرورية لتطبيق الإستراتيجية الجديدة، وعلى العكس تماماً فإن عدم كفاية الموارد (الجنود) سينتج عنه في أغلب الظن الفشل، ومع ذلك فبدون إستراتيجية جديدة لا يجب دعم المهمة بالموارد) نص كله تخبط فليس ثمة من إستراتيجية جديدة سوى التصعيد الذي لم يزل مستمراً دون أن يحقق النتيجة المرجوة أمريكياً.

ألم يكن أولى بالرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما -الحريص على تحسين صورة أمريكا في أعين العالم- أن يعتبر حرب أفغانستان من أخطاء الإدارة الأمريكية السابقة ويبدأ انسحاباً حقيقياً من كل من العراق وأفغانستان فيحفظ للولايات المتحدة ماء الوجه ويحقق بداية إيجابية حقيقية مع العالم الإسلامي تبنى فيها العلاقات على الاحترام المشترك والمصالح المتبادلة وجعل العالم مكاناً أفضل يعيش فيه الجميع متعاونين لا متناحرين، لكن يبدو أن الدول العظمى لا تكف عن الظلم حتى يمرغ الله أنفها في التراب فالظلم مرتعه وخيم، والله ينصر الدول أو يذلها بناءً على مقياس العدل والإصلاح في الأرض بغض النظر عن انتمائها الديني، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

About this publication