Iraq and the Shape of the Region

<--

العراق.. وشكل المنطقة

الزيارة الأخيرة لنائب الرئيس الأميركي جو بايدن إلى العراق هي الثالثة منذ بداية العام الجاري، فقد أوكل إليه باراك أوباما مهمة قيادة

العملية السياسية الأميركية في العراق . الزيارة تجيء في مرحلة حساسة يعيشها العراق، فلا المصالحة السياسية قد تمت حقيقة أو

نضجت ولا دول جوار العراق قد كفّت عن القلق والترقب والحذر من العملية السياسية والبيئة الأمنية والمجريات على الأرض في عراق ما بعد

صدام وعراق ما بعد تداعيات الاتفاقية الأمنية التي قضت بسحب القوات الأميركية من المدن في حزيران (يونيو) الماضي وستنسحب بالكامل

. من العراق بنهاية عام 2011

الغموض يسود آفاق ومستقبل العلاقة الأميركية العراقية من جهة، ومستقبل علاقة العراق مع جيرانه، والمسائل العراقية الداخلية الكبيرة

لم يتم تسويتها بعد ولم يصر إلى بلورة الشكل النهائي للنظام السياسي داخل هذا البلد، الذي من حق أبنائه أن يعيشوا بأمن وسلام

واستقرار.

بايدن يقف موقفا حذرا ومتحفظا إزاء مستقبل التفاعلات السياسية والأمنية في العراق، ومستقبل علاقاته مع جيرانه، وقائد القوات الأميركية

في العراق الجنرال راي أوديرنو قلق من تحوّل الأنظار من العراق إلى أفغانستان وتجاهل الأوضاع العراقية، في ظل الفساد المستشري،

برأيه، داخل النظام العراقي وليس فقط داخل قوات الأمن، وهذا برأيه أكبر مشكلة تواجه العراق . ومقابل هذا التحفظ أو التشاؤم الأميركي،

يبدو السفير الأميركي لدى العراق كريستوفر هيل أكثر تفاؤلا، إذ يؤكد أن العراق ما يزال في المركز الاستراتيجي للشرق الأوسط، ويمكن أن

يصبح محركآ للاستقرار الإقليمي والنمو الاقتصادي . وفي الأيام الماضية أدلى هيل بتصريحات مثيرة للانتباه، لم تلقَ في المنطقة العربية

الكثير من الاهتمام والمتابعة والتحليل، حيث قال إن علاقة العراق مع جيرانه ستحدد شكل المنطقة في السنوات المقبلة . وتساءل: هل

العالم العربي السنيّ على استعداد لإفساح المكان لدولة يقودها الشيعة؟.

والحقيقة أنه لا ضباب الاحتلال الأميركي للعراق انقشع، ولا هوية الحكومة العراقية اتضحت، ولا أولوياتها وتحالفاتها ومصالحها ومحددات

سياستها الخارجية ودوائر صناعة القرار فيها قد تأكدت واستقرت، وما يزال العامل الخارجي عاملا مهيمنا في مقاربة ما يجري في العراق . زد

على ذلك، أن زيارات المسؤولين الأميركيين ( والغربيين وغيرهم ) إلى العراق ما يزال معظمها يتم بشكل مفاجئ وسريّ، وهو يعطي من

جهة إشارة عن طبيعة الواقع الأمني القائم، ويسلّط الضوء على مسألة السيادة ومطابخ صناعة القرار، وهذا يزيد من التباس الحالة العراقية.

هناك أصوات أميركية تدعو إلى ضرورة إطلاق نقاش حول طبيعة النظام الأمني في الخليج في أعقاب سحب القوات الأميركية من العراق عام

2011 . ومنذ انتهاء الحرب الباردة، استخدمت واشنطن، آما أشار تقرير لصحيفة “الجارديان “، قوتها العسكرية لإدارة المشكلات الأمنية في

الخليج، لكن مع انسحاب القوات الأميركية من العراق، ستتخلى واشنطن عن دور مباشر في أمن الخليج لأول مرة منذ أكثر من عقدين .

والحديث الذي أدلت به وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون قبل فترة بخصوص إمكانية نشر الولايات المتحدة ل “مظلة دفاعية في

الشرق الأوسط ” لحماية حلفائها من تهديدات إيران النووية، يشير حسب الصحيفة، إلى أن الولايات المتحدة تحاول إقامة هيكل أمني أكثر

اعتمادا على الذات، يتطلب مشاركة خارجية فقط في الظروف الصعبة . ولقد علّق مسؤول كبير في الإدارة الأميركية، حسب واشنطن بوست

2009/7/4 ) على تحذيرات جو بايدن للعراقيين في تموز (يوليو) الماضي “من أن عودة العنف الطائفي إلى العراق ستنهي الالتزام الأميركي )

إزاء العراق” بأنها تعني أن ” على العراقيين أن يحلوا مشاكلهم ويواجهوا تحدياتهم بأنفسهم وليس علينا أن نحلها لهم”.

الكلام الأميركي هذا، فهمه لاعبون رئيسيون في المنطقة مثل تركيا وإيران، ووعوا مبكرا ارتباط شكل المنطقة مستقبلا بالعراق، وسواء أجاء

هذا الفهم تحت سياق ملء الفراغ أو الانخراط الدبلوماسي الدينامكي ومد شبكة التحالفات وتشعيبها، فإنه يكشف استجابة عربية شبه

غائبة، عبّرت عنها مؤخرا الأزمة العراقية السورية، حيث جاءت الوساطة لحل مشكلة بين بلدين عربيين من تركيا وإيران!!.

محمد برهومة

2009/9/20

About this publication