The Nobel, Obama and Hope

<--

نوبل واوباما والأمل

الخميس أكتوبر 22 2009 – ريموندا حوا طويل

انتقد كثيرون قرار لجنة جائزة نوبل بمنح جائزتها للسلام هذا العام الى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية باراك حسين أوباما ، وقال هؤلاء المنتقدون ان الرجل لم يفعل شيئا بعد، وان كل ما صنعه حتى الان هو مجرد أماني وتوقعات، وقالوا ايضا ًان الرجل لم يفعل شيئا سوى ما يفرضه عليه موقعه ان يفعل. وقيل ايضا ان هناك صفوة عالمية ترغب في مكافأة الرجل سريعا حتى تسحب البساط من تحت رجليه قبل ان يقوم بفعل متهور ، يعنى، كانت الجائزة نوعا من الرشوة لرجل مثالي اخلاقي .

وقال هؤلاء ان اللجنة خالفت قوانينها باعطائها الجائزة لزعيم يدير حربا ً أو ما يزال ، وانه على وشك إرسال مزيد من الجنود الى افغانستان . نعم قيل الكثير ضد منح أوباما الجائزة ، حتى هنا في الولايات المتحدة ، قيلت اشياء كثيرة وانتقادات مسموعة ومكتوبة .

ولكن ورغم كل ما قيل من انتقادات، فانني شخصيا ًارى في منحه الجائزة معاني كثيرة وهامة ومشجعة ، فاعطاء الرئيس الامريكي هذه الجائزة يعني ان لجنة الجائزة ترى فيها املا يعطى لرجل يملك اعلى سلطات سياسية وعسكرية واقتصادية على سطح الكوكب فهذه الجائزة تقول لهذا الرجل ان عليك ان ترتقي الى مستواها، وان ترتقي الى الذروة الاخلاقية والانسانية التي تمثلها، وان عليك ايها الرئيس ان تكون واحدا من مشاهير العالم الذين يقدمون له الامل وامكانية التعاون والاستقرار والسلام والعمل من اجله. هذه الجائزة بهذا المفهوم هي نوع من الرغبة في ان يكون الرئيس أوباما على قدر التوقعات وعلى مستوى الامل به ، يجب ان نتذكر ان الرئيس الذي سبقه كان قد اشعل العالم ولوث سمعة بلاده وقدم لها صورة لا يرغب اي امريكي بان تكون تلك صورة بلاده .

وكانت الجائزة بهذا المفهوم نوعا من القول اننا ننتظرك واننا بحاجة الى بطل عالمي جديد ، قائد ملهم، وقلب كبير، وسياسة اخرى، كانت هذه الجائزة تقول: إصنع سلاما يا أوباما . العالم بحاجة اليك .

يجب القول ان العالم يفتقد الزعماء والكبار والقادة الملهمين اصحاب الرؤية العالمية والانسانية، ويجب القول ان العالم يغرق في اتون الصراعات الاثنية والعرقية، ويتجه نحو كارثة حقيقية ما لم يتداركه زعماء كبار وعظام. العالم يتوحش بهذه العولمة اللاانسانية التي تهدد الامم والشعوب والدول، ولا بد من تلطيف توحشها او ايقافه او وقفه. هذه الجائزة الرفيعة او الارفع في العالم تقدم لزعيم طالب بالتغيير الكامل والشامل .

وكان التغيير في الخطاب والمعالجة التي عبر عنها في خطابه الشهير فى كل من تركيا ومصر ، حيث توجه الى العالم الاسلامي قائلا بلغة واضحة وصادقة ان امريكا تعترف بالاخرين وبثقافتهم ، وان ليس هناك مجال للكراهية او الاحتقار او التمييز، وقال ان مجالات التعاون بين الولايات المتحدة والعالم الاسلامي متاحة وموجودة وانها تحتاج فقط الى ارادات ، وكان واضحا فى ادانته الاحتلال الاسرائيلي وضرورة انهائه، واقامة الدولة الفلسطينية، وكان واضحا ودقيقا عندما قال ان ما سبق من سياسات امريكية اثبتت انها لم تحقق شيئا ابدا، وان الشعوب والامم حرة في اختيار سبل عيشها وانظمتها السياسية.

كان أوباما فى تركيا وفي مصر ، متواضعا ومقنعا واخلاقيا، لم يظهر ولم يدع ان امريكا هي مركز العالم او سيدته او معلمته او رجل الشرطة فيه. قال في خطابيه ان امريكا تبحث عن شريك او شركاء من اجل السلم العالمي ومن اجل مستقبل زاهر. قال ان امريكا لا تريد ان تغير العالم بالقوة، ولكنها ستعمل من اجل تغيير العالم بالشراكة الكاملة مع من يريد بعيدا عن التمييز او الدونية او الارهاب. كان أوباما معتدلا ومتوازنا وراغبا في تحقيق تقدم والبدء بانطلاقة جديدة .

كان خطاباه فى تركيا ومصر نوعا من تخفيف التوتر بين العالمين ، وكان نوعا من سطر جديد وصفحة في العلاقات بين العالمين. لم يعد العرب والمسلمون اعداء لامريكا . ولم تعد امريكا عدوة للعرب والمسلمين ، وهكذا اراد ان يقول اوباما، وهكذا ارادات الجائزة ان تقول ، إن البحث المحموم عن عدو ، كما عبرت عنه الادارة السابقة ، ادى الى تدمير العالم وتشويهه بالارهاب والعنف والحروب والدماء . اوباما ، الرئيس الذي يأتي من اثنية مختلفة وثقافة عالمية وانسانية ، اراد ان يوقف كل ذاك .

هل كانت الجائزة نوعا من التعبير عن تلك الخطوة العظيمة التي قام بها اوباما من اجل ان يزيل و يخفف الصورة النمطية للعداء او الاستعداء الامريكي للعالم العربي والاسلامي ، ربما كانت الاجابة نعم بشكل جزئي . اذ ان اوباما ايضا يعمل على نزع الاسلحة النووية في العالم او على الاقل وقف سباق التسلح . ان هذا الامر يكتسب اهمية قصوى خاصة ان العالم الان يزدحم بالاسلحة النووية ، المراقبة منها وغير المراقبة، الامر الذي يهدد كل كائن حي على العالم .

الرئيس الامريكي الذي بلغه النبأ عبر عن دهشته لقرار لجنة الجائزة ، وبكل تواضع وثقة قال انه لا يستحق ان ينضم الى هؤلاء العظام الذين نالوا هذا الشرف ، ولكنه قبلها ايضا من منطلق ان هذه الجائزة ستمنحه الحافز الاخلاقي والدعم المعنوي للمضي بمهمته الانسانية والعالمية الكبرى .

ان قبول اوباما للجائزة يعني انه يستطيع ان يتحمل اعباء هذه الجائزة ، وانه لن يستطيع ان يكون اقل منها، وانه لن يخذل العالم ولا من منحه هذه الجائزة وانه لن يكون من امثال بيريز مثلا الذي منح الجائزة ومن ثم نفذ مذبحة، ولذا طالبه كثيرون ممن منحوا الجائزة ان تنزع منه. اوباما، الرئيس، الرجل والفكرة ، قبل الجائزة لانه يحمل رسالة، ظهر بعض من اجزائها ولم تكتمل بعد .

ونحن، الفلسطينيين، نرى في منح اوباما الجائزة خطوة على الدرب الطويل، نريد له ان يكون رجل العالم ، ورجل المثل، ورجل السلام. كما قال في خطابه في القاهرة ان عذاب الفلسطينيين يجب ان يتوقف، فاننا نريد ان نذكره ان عذابنا ما يزال متواصلا ، وان العربدة الاسرائيلية ما تزال على اشدها ، وان طرد المواطنين من القدس مازال متواصلا ، وان الاحتلال والاستيطان ما يزال يتكرس بوتيرة عالية ، وربما اعلى من اية فترة سبقت.

كلنا امل كفلسطينيين، ان نرى اوباما ، رئيسا مختلفا في ادارة مختلفة ، وان لا يكرر اخطاء من سبقوه ، نحن نعرف ماذا تعني الآلة الامريكية ورغبتها فى الهيمنة والتوسع ، ولكننا نعرف ايضا ان هناك زعماء تاريخيين ، يحولون التاريخ تماما، عندما يدركون ابعاد الصورة ومخاطر الدرب .

انا مع اعطاء اوباما هذه الجائزة ، ورغم كل ما قيل من انتقادات، لانني اؤمن ان التاريخ هو رؤى شخصية ايضا .

About this publication