Frenzy of Armament and Militarization

Edited by Jessica Boesl

<--

إذا قيس نفوذ العسكر في مختلف الدول بحجم الأموال المخصصة للإنفاق العسكري، أمست الولايات المتحدة أقرب إلى «الدولة المعسكر» بامتياز!

بيانات «معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام» تقول إن الولايات المتحدة تشغل المرتبة الأولى دولياً في مجال تخصيص الأموال للتسلح، وإنها مسؤولة عن 58 فى المئة من الزيادة في مجمل الإنفاق العالمي على المجالات العسكرية. ويمضي آخر تقرير للمعهد إلى أن نفقات «الدفاع» الأميركية وصلت عام 2008 إلى 607 بلايين دولار. ولما كان العالم برمته أنفق في العام الفائت نحو 1،46 تريليون دولار على الشؤون العسكرية، فإن الولايات المتحدة تكون وحدها أهلكت زهاء 41 في المئة من هذا الرقم الفلكي.

هذه الحقائق تثير أكثر من مفارقة وتساؤل موجزها عموماً هو كيف يلتقي موقع النظام الأميركي الرائد ديموقراطياً مع كونه أكثر النظم عسكرة للمال؟

سيجادل البعض بأن العسكرة النظامية شيء والإنفاق على الدفاع والتسلح شيء مختلف. فالعسكرة تعني سيطرة الجنرالات على سدة الحكم وصناعة القرار، وهذه حالة لا يعرفها النظام الأميركي.

عيب هذه الملاحظة يكمن في سطحيتها وإغفالها التفصيلات، التي تقول إن إنفاقاً عسكرياً متوحشاً، لا بد أنه يتعلق ويرتبط بمصالح واسعة اقتصادياً ومالياً وبالتأكيد سياسياً. وفطن بعض دهاة السياسة وفقهائها الى هذه المعادلة، فحذروا من نفوذ ما وصفوه عن حق بالمجمع الصناعي العسكري «الذي بوسعه تكريس وتوظيف السياستين الداخلية والخارجية لمصلحته…». من المفارقات اللافتة الأخرى في التقرير أن الإنفاق العسكري تعرض للارتفاع خلال 2008 على المستوى العالمي بنسبة 4.5 في المئة مقارنة بعام 2007. لكن الشرق الأوسط وحده شهد تراجعاً على هذا الصعيد. هذا مع أن هذه المنطقة تعد الأكثر سخونة تقريباً وفي رحابها تتفاعل بعض من أقدم الصراعات المعروفة وأخطرها.

ولا يبدو التقرير مقنعاً حين يعزو هذه الظاهرة إلى تأثير الأزمة المالية العالمية، التي كان يفترض أن تعكس نتائجها في شكل أوضح على إنفاق الدول الأخرى الأكثر تضرراً منها وفي طليعتها الولايات المتحدة ذاتها. الأمر وما فيه هو أن دول الشرق الأوسط تعاني على الأرجح من تخمة في التسلح لم تدع زيادة فيها لمستزيد.

ويوحي لنا التقرير من طرف خفي بأن الدول مازالت تتخذ من تسمين مؤسساتها العسكرية ومراكمة التسلح معياراً لمقامها على سلم المكانة الاقليمية أو الدولية أو على الصعيدين معاً. هذا ما يفهم من سلوك الصين وروسيا وايران التي ضاعفت مرات عدة نفقاتها العسكرية خلال السنوات العشر الأخيرة.

المؤلم في هذا الإطار هو أن العالم برمته يخصص 2.4 في المئة من ثروته للإنفاق على التسلح والاستعداد للقتال والقتل، ولو حولت هذه الموازنات إلى قطاعات خدمية إنسانية كالصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية ومحاربة الفقر والجوع، لكنا بصدد عالم آخر أجمل وأكثر اشراقاً.

* كاتب فلسطيني

About this publication