Obama: An International Version of Martin Luther King?

<--

أوباما هل هو النسخة العالمية لمارتن لوثر؟

د.هاشم عبد الله الصالح

الآن وبعد مرور عام على تولي أوباما حسين سدة الرئاسة في أمريكا وهي الدولة العظمى الوحيدة في عالم اليوم تتساءل

شعوب العالم هل مازال العالم فعلا يعيش ظاهرة أوباما أم أن سنة واحدة وربما أقل منها كانت كافية لتجاوز هذه الظاهرة وأن الأمر كله كان مجرد وعود وأحلام وتطلعات انتخابية ليس إلا. فالشعب الأمريكي دفع بالرئيس أوباما للرئاسة لينتقل بأمريكا إلى مرحلة جديدة ومغايرة لما عهده تحت رئاسة بوش الابن, فلقد كانت هناك وعود كثيرة وتطلعات كبيرة وكان هناك أمل كبير أن يرى أوباما وهو يقود العالم إلى مرحلة استقرار وأكثر تواصل بين الشعوب. ولقد قام الرئيس أوباما فعلا بمبادرات عززت من هذا التفاؤل, فخطابه للعالم الإسلامي في القاهرة واعتماده على سياسة التفاوض وعدم الانفراد بحل مشاكل العالم أكدت هي الأخرى أن هناك تغييرا نوعا ما في السياسة الأمريكية.

فهل الشعور بالخيبة عند الناس في خارج أمريكا وفي داخلها بقيادة أوباما كان فعلا بسبب النتائج المتواضعة لسياسة أوباما، أن التحديات كانت كبيرة وما قام به أوباما من جهود ومبادرات في حاجة إلى فترة زمنية أطول لتؤتي أكلها, فأزمات عمرها عقود من الزمن ومشكلات تراكمت وتداخلت فيها عوامل كثيرة في حاجة إلى مثل أوباما ليس في أمريكا فقط، وإنما في دول كثيرة لأن اليد الواحدة لا تصفق وأن مبادرات أوباما في حاجة إلى من يتجاوب معها ويساندها وإلا سينال الإحباط، الرئيس أوباما نفسه وربما يتخلى أوباما بسبب ذلك عن أحلامه وتطلعاته.

هناك من يعتقد أن فشل الرئيس أوباما لا يتحمله وحده, فالناس كانت عندها أحلام في أن تتغير أمريكا وجاء الرئيس أوباما ليتكلم عن التغيير ويعد الناس بهذا التغيير ويؤكد لهم بأنه هو من سيقود هذا التغيير. كانت هي فعلا أحلام ولكن أليس انتخاب رئيس ملون لأمريكا هو أيضا كان من الأحلام بل من الأحلام التي كانت خارج تصور بعض الناس. أليست كل التغيرات على المستوى الفردي والاجتماعي تبدأ بالأحلام. فحتى الاكتشافات العلمية هي في الحقيقة ترجمة لأحلام أصحابها, أليس انشتاين حلم بركوب ضوء الشمس قبل أن يكتشف نظريته النسبية ويكتشف أسرار الزمن. أليس عالم الوراثة المشهور كريك قد رسم الشكل الحلزوني للشفرة الوراثية في مخيلته وأحلامه قبل أن يضعها على الورق ولم يكن بمقدور أحد أن يرى هذا الشكل على طبيعته وكان الخيال وكانت الأحلام هي الوسيلة الوحيدة للوصول إلى شكل ومعالم هذا المكون الحيوي الحامل للشفرة الوراثية للإنسان. ألا يكفي قول انشتاين وهو يصف العبقرية والإبداع بأنها 99 في المائة أحلام وخيال و1 في المائة الباقية فقط هي معرفة. فالأحلام, بالطبع أحلام العلماء والمفكرين , وليس أحلام الجهال والمشعوذين والمستبدين, في نظر الكثير من المهتمين بالتطور الإنساني إنها هي التي مهدت لحدوث أكبر التغيرات وأعظمها في التاريخ البشري.

وفي الوقت الذي يتحدث فيه الناس والصحافة والإعلام عن مرور سنة على تولي أوباما ومراجعة ما تحقق من إنجازات شخصية له ولإدارته تحتفل أمريكا ولو بشكل نسبي بذكرى ميلاد الداعية للحقوق المدنية القس مارتن لوثر كنج. وفي ظل هاتين المناسبتين هناك كلام يدور في أروقة الثقافة والإعلام المحلية الأمريكية وحتى العالمية عن أوجه التشابه والتماثل بين شخصية ورمزية الرئيس أوباما وشخصية مارتن لوثر. فهذا القس الأمريكي حرك مشاعر الأمريكيين وبالأخص الملونين منهم وأجج عواطفهم بأحلامه الداعية لإعطاء الحقوق المدنية للسكان السود. فكانت صيحته المشهورة والتي ما زال صداها إلى يومنا هذا, عندي حلم بأنه سيأتي اليوم الذي ينال فيه كل الأمريكيين حقوقهم المدنية بلا استثناء ولا تمييز, هذه الصيحة التي رددتها آلاف الحناجر التي كانت حاضرة تستمع إلى خطابه المشهور والملايين التي تسمع الخطاب عن بعد كانت فعلا تعبر عن أحلام وتطلعات ولكنها كانت أحلام فيها طاقة حركت المجتمع الأمريكي نحو نقلة كبيرة مكنته من خلع ثوب التمييز العنصري. وتقديرا لهذه الأحلام العظيمة جعل يوم ميلاد مارتن لوثر كنج عيدا قوميا لأمريكا كلها, فأمريكا تحتفل بيوم ميلاد مارتن لوثر باعتباره يوم المساواة ويوم المواطنة الكاملة للجميع ويوم الاحتفاء بتحقيق المزيد من الإنجازات في سجل الحقوق الإنسانية الأمريكية. ولقد كان هناك صدى عالمي لأحلام مارتن لوثر واشتعلت بفعلها أحلام وتطلعات الشعوب التي تعاني التمييز والعنصرية وبفضل هذه الأحلام نالت الكثير من هذه الشعوب حقوقها المدنية ومن خلال نضال سلمي وغير عنيف. فلم يعهد في أمريكا أن يتم الاحتفاء بشخص لم يتول مهام رسمية وأن يجعل من يوم ميلاده عيدا رسميا غير مارتن لوثر وهذه دلالة أخرى على عظمة أحلام هذا الرجل وما أحدثته من تغيرات في المجتمع الأمريكي. وحتى العالم احتفى بهذا الرجل وأعطاه جائزة نوبل تقديرا لأحلامه العظيمة وكان الأصغر عمرا من بين من نالوا هذه الجائزة العالمية. وكانت نهاية هذا الرجل دراميتيكية أضافت توهجا أكبر على أحلامه, فمات الرجل وبقيت أحلامه متوقدة في عقول وقلوب المهتمين بإنسانية الإنسان.

فهل فعلا هناك إمكانية لأن يرى العالم في شخصية الرئيس أوباما النسخة العالمية لشخصية مارتن لوثر. فوصول أوباما إلى رئاسة أمريكا كان مجرد حلم ولكنه قد تحقق فعلا. وأوباما كانت خطاباته الانتخابية هي الأخرى أحلام حركت المشاعر والعواطف للمواطنين الأمريكيين. فشعار حملته الانتخابية كان التغيير، وأن المواطن العادي هو بطل هذا التغيير, فأوباما كشخص كان مواطنا أمريكيا عاديا ليس له نصيب من الثروة ولاحظ من الشهرة والتاريخ الأسري العريق. فحلم التغيير الذي جاء به أوباما وصعد به إلى الرئاسة شبيه بالحلم اللوثري الداعي إلى تغيير أمريكا وتخليها عن التمييز العنصري. ولقد احتفى العالم أيضا بشخصية أوباما بوصوله إلى الرئاسة وبأحلام دعواته لتغيير أمريكا وجعلها أكثر تواصلا وانفتاحا على العالم. فنال الرئيس أوباما كما نال من قبل مارتن لوثر جائزة نوبل ليس تقديرا لأعماله وإنجازاته التي مازالت في بدايتها، وإنما كانت تقديرا لأحلامه في التغيير التي أشاعت أجواء من التفاؤل العالمي. فلقد كان العقد الأول من القرن الجديد عقدا صعبا وثقيلا لأن أمريكا كانت متوترة وحادة في سياستها الدولية وها هو الرئيس أوباما يعدهم بالتغيير وأنه سينتصر للدبلوماسية والتواصل مع دول العالم في حل المشكلات العالمية, لقد كان العالم مرهق وفي حالة من التوتر والحروب والشد السياسي الذي اتسمت به حقبة ما قبل إدارة الرئيس أوباما. فإذا كانت أحلام مارتن لوثر عن الحقوق المدنية المحلية فإن العالم رأى في أوباما نسخة من مارتن لوثر ولكن بأحلام الحقوق الدولية, فهل فعلا ستتحقق الحقوق الدولية للكثير من الشعوب المضطهدة على يدي أوباما, وهل مثلت السنة الأولى خيبة أمل لهم أم أن أحلام الشعوب ما زالت متعلقة به.

لا بل إن هناك من أراد المبالغة في تشبيه أوباما بمارتن لوثر, فبعض المنجمين يرى أن نهاية أوباما ستكون في هذه السنة كما كانت نهاية مارتن لوثر وستكون بشكل دراماتيكي, ولكن شعوب العالم تتمنى أن تكون هذه النهاية الدراماتيكية هي في تحقيق هذا التغيير الذي وعد به الرئيس أوباما الشعب الأمريكي وشعوب العالم على اختلافها ودياناتها.

About this publication