Arab Media Pursued from Earth to the Sky

<--

الإعلام العربي المطارد من الأرض إلي السماء

واشنطن : عاصم عبد الخالق

الحديث عن المعايير الأمريكية المزدوجة في التعامل مع القضايا العربية ليس أمرا جديدا‏,‏ غير أن الأزمة الحالية التي يثيرها مجلس النواب مع الفضائيات العربية وتلويحه بفرض عقوبات عليها يقدم فصلا جديدا في تلك القصة القديمة‏.‏

أو علي الأقل يلقي الضوء علي احد جوانبها المنسية‏.‏ هذه ليست بداية مرافعة للترحم علي العدل الأمريكي المفقود عند التعامل مع العرب والمسلمين ولكنها ملخص لشهادتين مهمتين لاثنين من أهم الخبراء الأمريكيين المتخصصين في قضايا المنطقة حول ما يؤكد انه تناقض أمريكي صارخ‏.‏

في موقعه علي الانترنت استهل الدكتور مارك لينش احد أهم المتخصصين في الشرق الأوسط وملف الإسلام السياسي أحدث مقالاته بعبارة ساخرة قال فيها انه لمن المحزن حقا أن تكون الجامعة العربية أكثر انحيازا لحرية الصحافة من الكونجرس الأمريكي‏.‏ ورغم انه استدرك طالبا قارئه بألا يقلق لان الدول العربية لن تعدم الوسائل المناسبة لقمع الإعلام‏,‏ إلا أن مقالته تركزت بعد ذلك علي إدانة قرار مجلس النواب بالدعوة لمعاقبة الفضائيات العربية ومزودي خدمة الأقمار الصناعية لها بزعم بث ما تعتبره واشنطن تحريضا علي العنف ضدها‏.‏

يطرح لينش مبررات موضوعية لرفضه القرار أهمها انه قدم تعريفا فضفاضا للغاية لمصطلح التحريض علي العنف‏.‏ ووفقا لما جاء في نص القرار الذي يحمل رقم‏2278‏ وصدق عليه المجلس بأغلبية‏395‏ مقابل‏3‏ أصوات فقط فان التحريض يعني‏’‏ أي عمل من أعمال الإقناع‏,‏ التشجيع‏,‏ الإثارة‏,‏ الأمر‏,‏ الاستحسان‏,‏ التهديد بهدف دفع آخرين للقيام بعمل يتسم بالعنف ضد أي شخص أو مصلحة أو وسيلة أو مسئول علي صلة بأمريكا أو يخدمها كممثل لها‏’.‏

المشكلة هنا كما يقول الخبير الأمريكي هي أن أي مناقشة جادة للسياسة الأمريكية في أي تليفزيون عربي يمكن أن ينطبق عليها جزء من هذا التعريف للتحريض لاسيما أن المواقف العربية مختلفة جذريا عن الأمريكية إزاء قضايا جوهرية‏.‏ نقطة أخري مهمة يشير إليها وهي أن مشروع القرار الذي لم يصدق عليه مجلس الشيوخ بعد يدعو الإدارة لفرض عقوبات علي القنوات التي تتعامل مع أشخاص مدرجين في قائمة الإرهاب الأمريكية وهي قائمة طويلة من‏443‏ صفحة وتضم أسماء سياسيين وقادة فكر عرب ومسلمين مستقلين وليسوا من حماس وحزب الله فقط‏.‏ وإذا كانت استضافة أي شخصية من هؤلاء وبعضهم وجوه إعلامية منتشرة بقوة ولها جماهيريتها الطاغية سيدمغ القنوات بالإرهاب فلن يتبقي بعد ذلك سوي حفنة محدودة من القنوات العربية النظيفة من وجهة النظر الأمريكية‏.‏

باختصار كما يقول الأستاذ الأمريكي فان القرار غير مسئول ويتعارض بقوة مع المساندة الأمريكية لحرية الإعلام‏.‏ ولا يمكن تطبيقه بصورته الحالية في الشرق الأوسط دون أن يلحق أضرارا كبيرة ولا يمكن للحكومات العربية تنفيذه‏.‏

ما أشار إليه لينش عن تعارض القرار مع الالتزام الأمريكي بحرية الصحافة هو محور تركيز واهتمام خبير أمريكي آخر هو وليام روج السفير السابق في الإمارات ومؤلف كتاب الإعلام الجماهيري العربي‏.‏ وشهادته تسبق بكثير أزمة الفضائيات الحالية‏.‏ وهو ما يوضح أن مشكلة أمريكا مع الإعلام العربي ليست أزمة عابرة فجرها موقف الكونجرس الحالي‏.‏

يعتبر روج العراق حالة دراسية مثالية تجسد مشكلة الازدواجية الأمريكية فيما يتعلق بالإعلام العربي‏.‏ فبعد الغزو كما يقول قررت سلطة التحالف‏(‏ الاحتلال‏)‏ إنشاء شبكة إعلام عراقية حرة وأسندت المهمة إلي شركة أمريكية هي الشركة الدولية للتطبيقات العلمية وهي متخصصة في إمداد وزارة الدفاع‏’‏ البنتاجون‏’‏ بالتكنولوجيا وليس لها علاقة بالإعلام‏.‏ أقامت الشركة شبكة الإعلام العراقية وبها تليفزيون وراديو وجريدة الصباح‏.‏ غير أن سلطة التحالف فرضت رقابة شديدة عليها وجاء مستوي التليفزيون مخيبا لأمال العراقيين الذين توقعوا من أمريكا‏(‏ إمبراطورية الإعلام في العالم‏)‏ شيئا عظيما كما يقول الكاتب‏.‏

انتهت التجربة سريعا بالفشل بعد أن استقال حتي الموظفين الأمريكيين بسبب التدخل الفظ من سلطة التحالف‏.‏ وأظهرت دراسات أشرفت عليها السلطة بنفسها والكلام مازال لروج أن العراقيين فضلوا محطتي الجزيرة والعالم الإيرانية بل أن احد التقارير وصف الشبكة العراقية بأنها‏’‏ برافدا أمريكية‏’.‏ عاود الاحتلال المحاولة في يناير‏2004‏ مستعينا بشركة أخري هي هاريس اوف فلوريدا المتخصصة في معدات الاتصال لتدير الشبكة العراقية واستعانت هاريس بالمؤسسة اللبنانية للإرسال وأصبح اسم التليفزيون الجديد العراقية‏.‏ يرصد روج بعد ذلك كيف انقلبت سلطة الاحتلال سريعا علي الصحف والتليفزيونات المستقلة التي سمحت بعملها بعد أن اتهمتها بالتحريض علي العنف‏.‏ وامتد اضطهادها لقنوات غير عراقية مثل الجزيرة والعربية لنفس السبب‏.‏ كما يرصد الهجوم اللاذع الذي وجهته إدارة بوش للجزيرة‏.‏ وكما أن مشكلة أمريكا مع الإعلام العربي لن تنتهي بأزمة الفضائيات الحالية فإنها لم تبدأ كذلك مع احتلال العراق كما يقول روج مضيفا انه من المثير للسخرية أن واشنطن التي تقف مع حرية التعبير تتصرف في أوقات كثيرة وكأنها حكومة سلطوية والعراق خير شاهد‏.‏ من المهم هنا الإشارة سريعا إلي حقيقتين أساسيتين أولاهما الدور الذي تلعبه المنظمات اليهودية الأمريكية في تحريض الكونجرس والإدارة علي الإعلام العربي‏.‏ وهي غالبا لاتري فرقا حقيقيا بين مهاجمة إسرائيل ومعادة السامية والتحريض ضد الأمريكيين‏.‏ وتغفل عن عمد أن الانتقادات الإعلامية العربية نتيجة للسياسات الإسرائيلية وليس بسبب معاداة اليهود كأتباع ديانة سماوية‏.‏ ومن المعروف هنا أن احد المصادر الرئيسية إن لم يكن المصدر الرئيسي الأول الذي يعتمد عليه الكونجرس للوقوف علي التحريض في الإعلام العربي هما المنظمتان اليهوديتان معهد الشرق الأوسط لأبحاث الإعلام‏’‏ ميميري‏’,‏ ورابطة مناهضة التشهير‏,‏ والمقصود هنا التشهير باليهود أو معاداة السامية‏.‏ وتحريض المنظمتين للكونجرس والإدارة علي الإعلام العربي ليس أمرا خافيا‏.‏ ولا يتسع المقام لذكر التوصيات والنصائح التي تقدماها في هذا الصدد‏.‏

الملاحظة الأخري هي أن الجهد الأمريكي المدعوم إسرائيليا ويهوديا لمراقبة الفضائيات العربية هو جزء في حملة أكبر تجري منذ هجمات سبتمبر‏2001‏ تشمل متابعة كل ما يذاع أو ينشر في وسائل الإعلام العربية بما في ذلك الدراما وليس المواد السياسية والإخبارية فقط لمنع ما تعتبره تحريضا علي العنف أو ترويجا للأفكار المتطرفة‏.‏ وهذه الحملة بدورها جزء من جهد اكبر يشمل التعليم والثقافة في العالمين العربي والإسلامي في إطار الحرب الفكرية علي الإرهاب وتجفيفا لمنابعه من وجه النظر الأمريكية‏.‏

About this publication