عزفت أمريكا ورقصت إيران، وميدان الحفل وتبادل الأنخاب كانا على أرض العراق التي احتلت بذرائعية سياسية أقل ما توصف به، أنها همجية القوة، ولعل تلاقي الأهداف بين راعييْ الحفل، أن العمامة جاءت مقابل تاج البابا عندما أصبحت مهمة الاحتلال تلاقي الأهداف من خلال دافع ديني بين مسيحية بوش الابن ، وعمائم الآيات..
فبوش الابن يعتقد أن احتلال العراق لم يكن رمزياً، وإنما جاء بإيحاء إلهي أعطى رئيس أمريكا السابق حق التصرف المطلق كرسالة للمسيح، بينما الطرف الثاني الذي أزيح عنه همّ صدام حسين والدخول في صلب حياة ومستقبل العراق، جاء هو الآخر بوحي من الإمام الغائب، الذي يوجّه الرسالة للعالم بواسطة إيران عندما تكتمل العدالة بظهوره، لكن لماذا العراق هو الضحية على مذبح الطرفين، ولم يقع الخيار على بلد آخر؟
أمريكا سلّمت مفاتيح العراق للمجهول، وأزاحت عن كاهل إيران طالبان أفغانستان وربما كان الهدف الأمريكي أن إيران حتى بصورتها (الراديكالية) هي الأقرب للتحالف معها، لكن ذلك لم يكن سهلاً بحاملي عقيدتين خارج سياق الزمن، ومع ذلك فطالبان والقاعدة زاد تحالفهما مع إيران على عكس التصور الأمريكي ، وقد جاءت الغنائم الأمريكية أن حررت إيران من كابوسين صدام وأفغانستان، ولعل التقديرات السياسية لصانعي القرار في البيت الأبيض غالباً ما توقعهم في خلط يضرّ بهم..
فقد ساعدوا أفغانستان على طرد السوفيات، فنشأت قواعد الإرهاب هناك، وطالت العالم كله بما فيها أمريكا التي زلزلت وجودها حادثة ١١ سبتمبر وهي صناعتها بيدها، ويتكرر الأمر الآن مع إيران حين راهنت عليها كلاعب أساسي في المنطقة، بينما الأحداث الراهنة أخذت مسار التهديد بالحرب، وكلّ يرى في خصمه مجالات كبيرة في الاختراق وهدم قوته، ومع أن إيران تمر بحالة غليان داخلي جاء من تناقض السلطة ذاتها وتنازع قادتها الروحيين، فإن أي تقدير لا يراعي المخاطر العسكرية، قد يعيد الأمور إلى حالة اضطراب عالمي خاصة وأن ميدان الحرب، لو حدثت، سيكون في أخطر موقع في العالم يختزن أكبر احتياطيات وإنتاج للنفط..
صحيح أنه لا مبرر لأن تمتلك إيران سلاحاً نووياً، لكن الخيارات تبقى مفتوحة بحصار اقتصادي، وتحريك المعارضة الداخلية، بدلاً من إعادتها إلى عناصر الدولة، لأن حكم السلطة الدينية لم يعد محركاً أساسياً، بعد ثلاثين عاماً من تجربة اعتبرتها الأجيال الجديدة لا تلبي احتياجاتها وتوجهاتها..
العراق ضحية ما حدث، والآن يمر بحالة صِدام داخلي في عدة وجوه، لكن إيران أكثر حضوراً من غيرها، والسبب أن أمريكا هي من دوّر الصراع، وجعله حلقة في مدار إقليمي لإخراجه من ساحته العربية، ومثلما تم غزوه بوهم ديني اختلطت فيه المفاهيم الكنسية مع القوة، فإن وهم الديمقراطية في بلد تمزقه عوامل داخلية وخارجية، ليس إلا إطاراً لحدث ربما يضعه على درب الأزمات الطويلة..
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.