Israel’s Message to the American President

<--

رسالة إسرائيل إلي الرئيس الأمريكي

حينما بدأ الرئيس الأمريكي أوباما فترة رئاسته كان له موقف مشهود من قضية الشرق الأوسط فاجأ العالم العربي والمجتمع الدولي والحكومة المتطرفة في إسرائيل، أعلن صراحة عدم اعتراف الولايات المتحدة بضم الأراضي المحتلة إلي إسرائيل وطالبها بوقف النشاط الاستيطاني في تلك الأراضي .

سر اندهاش العالم لهذا الموقف الأوبامي بسيط جدا .. فالولايات المتحدة مستندة الي قرار تقسيم فلسطين الصادر عن الأمم المتحدة ، هي التي توفر الحماية العسكرية والدبلوماسية لإسرائيل منذ نشأت في الشرق الأوسط مغتصبة أرض فلسطين، هي التي بسطت حمايتها علي إسرائيل والتزمت بالدفاع عنها في مواجهة محيط من الأعداء العرب والساسة الذين يتوعدون بإلقائها في البحر .

كان السؤال : هل يستطيع أوباما تحويل موقفه المدهش الي موقف أمريكي؟ الحقيقة أنه حاول ، ظن البعض ممن يراهنون حتي الآن علي الموقف الأمريكي ، أنه سينجح ، وبالتالي وضعت السلطة الفلسطينية وقف الاستيطان أو تجميد الاستيطان كشرط لاستئناف المفاوضات المباشرة التي لم تحقق شيئا علي الاطلاق منذ بدأت من سنوات تعبنا من عدها وحتي الآن .

اعتبر المفاوض الفلسطيني تجميد الاستيطان بمثابة اعتراف اسرائيلي بعدم شرعية احتلال اسرائيل للأراضي المحتلة بعد حرب 1967 وهي الوعاء المقترح لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ! بعد أن تخلي الموقف العربي الرسمي عن فكرة إلقاء إسرائيل في البحر وما يتبع ذلك من سياسات . لو تحقق ذلك لكان مكسبا كبيرا وتقدما لا بأس به في ضوء الحقيقة الثابتة إسرائيليا حتي الآن وهي أن إسرائيل لم تعترف لا صراحة ولا تلميحا بقبولها لأي مبادرة سلمية ولا لمبدأ الدولتين ولا أي اقتراح يعطي للفلسطينيين أي شيء .

جاء رد الحكومة الاسرائيلية في صورة صفعة للرئيس الطموح بالإعلان عن مشروعات استيطانية جديدة في الضفة الغربية وفي القدس الشرقية لتؤكد للرئيس أوباما أنه قد يحكم في أمريكا، لكنه لا ولن يحكم في إسرائيل، واستمرت في الإعلان عن أن الاستيطان حق مقدس لليهود في أرض الفلسطينيين !

بعد التوقف والتوتر الناجمين عن الصفعة أفاق العالم من ذهوله ، تفاقمت الأزمة علي المستوي الدبلوماسي وبدا أن أوباما غاضب علي اسرائيل وسياستها التوسعية ، لكن استمرت المحاولات لاستئناف المفاوضات بممارسة الضغوط في الغرف المغلقة إلا أن الطرف الاسرائيلي كان حريصا باستمرار علي تسريب رفض إسرائيل لوقف الاستيطان وإبراز التحفظات علي الدولة الفلسطينية المقترحة .

اقترحت الولايات المتحدة صيغة المفاوضات غير المباشرة لمدة محددة بعد اتصالات مكثفة مع الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني ، ومع أطراف عربية أخري ، لتأييد تلك الخطوة، والغرض منها الخروج من مأزق تحدي الحكومة المتطرفة في إسرائيل لرغبة الولايات المتحدة والأطراف الدولية الأخري في وقف النشاط الاستيطاني في الأراضي المحتلة، وإصرارها علي الاستمرار في النشاط الاستيطاني في الضفة وفي القدس الشرقية .

مافهمناه من التحرك الدبلوماسي لاحياء المفاوضات بين اسرائيل وبين الفلسطينيين برعاية أمريكية أن الحكومة الاسرائيلية ربما تكونت لديها قناعة بالتجاوب مع المساعي الأمريكية والمطالب الدولية بالعودة الي المفاوضات المباشرة عن طريق مفاوضات غير مباشرة الغرض منها تحديد اطار المفاوضات والمباديء التي تقود الي نتائج بدلا من الدوران في حلقات مفرغة . المفاجأة المدوية جاءت بعد أن بذلت الدبلوماسية الأمريكية جهودا لاعادة تأسيس مائدة تفاوض غير مباشر لمدة أربعة أشهر بغرض وضع إطار لمفاوضات مباشرة بعد ذلك، جاء نائب الرئيس الأمريكي إلي إسرائيل ليحتفل بإطلاق المفاوضات غير المباشرة فاستقبلته الحكومة الاسرائيلية بالإعلان عن المخطط الإسرائيلي لبناء 1600 وحدة سكنية في القدس الشرقية .

الصفعة الثانية اتي تلقاها الرئيس الأمريكي من الحكومة الإسرائيلية كانت قاسية للغاية تركت العالم مذهولا يتساءل : لماذا إذن كانت كل تلك الجهود والاتصالات الدبلوماسية؟ ولماذا جاءوا بنائب الرئيس إلي المنطقة ليصفعوه أمام الرأي العام الدولي؟ وما هو الهدف من تلك المناورة الخبيثة؟ الأهم كيف تتصرف الولايات المتحدة مع طفلها المدلل في الشرق الأوسط؟ وهل يفهم أوباما الرسالة ويكتفي بالتدخل في شئون نصف العالم ، وحكم النصف الآخر فيما عدا إسرائيل؟ !

المهم .. اعتذر نتانياهو لنائب الرئيس الأمريكي، وطلب فتح تحقيق في ملابسات الإعلان عن المخطط الإسرائيلي لبناء 1600 وحدة سكنية في القدس الشرقية أثناء وجود نائب الرئيس الامريكي جو بايدن في إسرائيل بعد أن وصفت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون الإعلان عن هذا المخطط بأنه ” إهانة ” لبلادها، وحذرت من الآثار التي قد تتركها الخطوة الإسرائيلية علي علاقات البلدين ووصفتها بأنها خطوة سلبية جدا بالنسبة للعلاقات الأمريكية الإسرائيلية ولعملية السلام في الشرق الأوسط .

وفي تعليق يعكس الموقف الدولي، قالت صحيفة الجارديان البريطانية أن السياسة في النهاية تتمحور حول تحقيق المصالح، والدول والحكومات تتصرف عادة علي ضوء مصالحها، لكن تصرف الساسة الاسرائيليين خلال زيارة بايدن نائب الرئيس الأمريكي لبلادهم هو استثناء غريب ونادر لهذا القاعدة .

أضافت الصحيفة ان تصرفات القيادة الاسرائيلية خلال هذه الزيارة لم تكن غير مفيدة فقط بل تسببت بضرر كبير لبلدهم، فبدلا من احتضان بايدن ومسايرته خلال هذه الزيارة تعمدت القيادة الإسرائيلية توجيه إهانة مباشرة له وللإدارة الأمريكية بالأعلان عن خطتها بناء هذه البيوت في القدس الشرقية المحتلة في تحدٍ مباشر لمطالب الولايات المتحدة بتجميد الانشطة الاستيطانية علي الاراضي التي احتلتها اسرائيل عام 1967 .

اضافت إنه ليس من المستغرب ان تتحدث الانباء عن غليان الرئيس الامريكي باراك اوباما غضبا والتحدث لمدة 90 دقيقة مع بايدن لصياغة بيان ادانة غير مسبوق في حدة لهجته للخطوة الاسرائيلية، كما أوضحت الصحيفة ان سلوك القادة الاسرائيليين مؤخرا يحير حتي المعلقين في وسائل الاعلام الاسرائيلية .

السؤال هنا هو : هل المشكلة في الاعلان عن المشروع الجديد للاستيطان في أثناء وجود نائب الرئيس في إسرائيل، أم أن مشكلة إسرائيل تكمن في عجز حكومتها المتطرفة عن اتخاذ قرار بشأن القبول باستحقاقات السلام المنشود؟

About this publication