نسمع: ومنذ بداية تسعينيات القرن الماضي عن نبوءات بشأن زوال أمريكا ، وولادة نظام عالمي جديد ، وعلى امتداد العقدين الأخيرين ، تعاظم الكره لأمريكا حول العالم ، وقد يكون لانهيار المعسكر الشرقي دور في إعادة ترتيب قطبيات التحالف والعداء مع أمريكا ، لكن الدور الأبرز في تعاظم الكره والعداء لكل ما هو أمريكي ، يتعلق بممارسات أمريكا نفسها كحروبها التي قامت بها بالوكالة.
بعد زوال القطبية السياسية من العالم التي تمثلت بانهيار الاتحاد السوفيتي ، وبعد زوال دولة العراق العربية القوية ، وتحييد الدولة العربية الأكبر بسلام “أي كلام” ، ظهر وجه الدولة الصهيونية بشكل أكثر وضوحا وخطرا على المنطقة وعلى العالم ، وفي أعقاب فشل المحافظين الجدد في أمريكا وانحسار دورهم ، وفشل مخططهم التقسيمي المسمى “بالشرق الأوسط الكبير أو الجديد” ، حدث خلط جديد في أوراق اللعبة السياسية الدولية في المنطقة ، خصوصا بعد أن قدم للبيت الأبيض رئيس أمريكي جديد ، نال ثقة الأمريكيين على أساس شعار التغيير ، وقام ومنذ اليوم الأول لرئاسته ، بمحاولات إعلامية لتجميل القبح الذي اعترى وجه أمريكا في العالم ، فقدم أوباما خطابا نال الى حد بعيد رضى الجميع باستثناء الدولة الصهيونية ، وكان واضحا أن أوباما سيكون في حالة مواجهة مع الكيان الصهيوني ، الذي أصبح يملك نقاط قوة وحقائق سياسية جديدة.
الجميع يتحدثون الآن عن خلافات عميقة بين سياسة البيت الأبيض الخارجية ، وخصوصا تلك المتعلقة بمنطقتنا العربية ، وبين سياسة حليفها الأول اسرائيل ، لكن قلة قليلة تتحدث عن اختلاف وجهات النظر السياسية بين الطرفين في أمريكا نفسها ، وهو خلاف دفع البعض للتعليق عليه بالقول أن “نتنياهو” في أمريكا أقوى من “أوباما” نفسه ، وقد طغى حديث المجاملات والتعهدات الأمريكية بأمن اسرائيل على الخطاب الأمريكي الرسمي ، ولعل هذا الخطاب الذي ظهر زائدا عن الحاجة في مناسبات كثيرة يعبر بكل دقة عن أزمة داخلية أمريكية ، تتعلق بنزاع وصراع وجهات نظر أمريكية بشأن دعم اسرائيل في هذا الوقت ، على الرغم من شعارات البيت الأبيض ، الذي تولى أوباما ترويجها ، على امتداد أكثر من عام مر على حكمه لأمريكا وللعالم باستثناء اسرائيل.
اللوبي الصهيوني هو القوة السياسية الضاغطة الثانية في أمريكا ، ولا يحتاج كثيرا من الوقت ليصبح القوة الأولى ، لكن إن تحقق ذلك ، وأصبحت الحقيقة داخل أمريكا ، أن اسرائيل وسياستها ومصلحتها أهم من سياسة ومصالح أمريكا ذاتها ، عندها فقط سنقول أن النبوءات تحققت وزالت أمريكا.
الخطر الكبير الذي يهدد بقاء أمريكا في هذه المرحلة هو الخطر الصهيوني ، خصوصا إن تمكنت اسرائيل من النجاح في فرض وجهات نظرها المتعلقة بالاستيطان وبالحل النهائي ، وتهويد القدس.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.