In Tyranny and Tyrants

<--

يتحدث الأميركيون كثيرا عن الطغيان والطغاة حول العالم. ويحملون كثيرا على الصوت الواحد والكاتب الواحد والإعلام الواحد. وبعد نصف قرن في هذه المهنة لم أعرف إعلاما واحدا وكاتبا واحدا وصوتا واحدا مثل الإعلام الأميركي. ولا عرفت إعلاما شوفينيا متعصبا مثل الإعلام الأميركي. وكنت في نيويورك قبل أشهر عندما تبين أن ثمة خطأ في مكابح سيارات «تويوتا» الهجينة. وسارعت الشركة إلى استدعاء السيارات لإصلاحها. وتبين أن نحو 16 شخصا توفوا جراء الحوادث ذات الصلة.

وهبّ الإعلام الأميركي، صباحا ومساء وفجرا. كل الصحف وكل التلفزيونات، في صوت واحد، في نغمة واحدة، في لهجة واحدة، وعلى إيقاع واحد. تماما مثل فرقة موسيقية تعزف بإشارة من عصا واحدة. أو مثل جوقة غنائية تردد وراء مطرب: الموت لـ«تويوتا».

وبعد شهرين ظهرت النتيجة. تحولت مبيعات «تويوتا» من الأولى إلى ما بعد الأخيرة. وارتفعت مبيعات شركة «فورد» على نحو غير مسبوق. وحصد الإعلام الأميركي نتائج الطغيان المعلن الذي انقض به على أكبر شركة سيارات في العالم.

وبعد «تويوتا» وقعت شركة «بريتيش بتروليوم» وأوقعت خليج المكسيك في كارثة بيئية كبرى. وهو خطأ لا تشكر عليه طبعا ولا تمتدح به ولا يمكن أن يسكَت على الأضرار التي ألحقها بمظاهر الحياة في تلك المنطقة. لكن الإعلام الأميركي، هبة واحدة وصوتا واحدا، انقض على الشركة وكأنها تعمدت الكارثة وطاب لها أن تخسر المليارات. ولم يعد الإعلام الأميركي يريد أقل من تفليس الشركة ودفن بقاياها في خليج المكسيك. وصدرت صحيفة الـ«نيويورك تايمز» يوما بعد آخر وليس في صفحات الرأي كلمة واحدة عن أحداث غزة، فيما كانت مكتظة بالمقالات عن خليج المكسيك.

شركة أجنبية أخرى تزاح من الطريق. ولا مجال لسماح أو عفو أو تفهم أو مجال لقبول فكرة الخطأ. بذلت الشركة محاولات أسطورية لتصحيح خطئها وحصر الأضرار وصرفت في ذلك مئات الملايين. ولم تلق كلمة تفهم واحدة من أحد. النسر الأميركي لن يترك فريسته وفيها عظمة واحدة.

About this publication