The President’s Finger

<--

إصبع الرئيس ! * حلمي الأسمر

لم نزل نذكر الخطاب الشهير لوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون عن حرية الإنترنت في 21 كانون الثاني ـ يناير من هذا العام ، وقولها آنذاك إن التدفق الحر للمعلومات يقوي المجتمعات ، واليوم يعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما ، عن تطبيق قانون إغلاق شبكة الإنترنت في وقت الأزمات والطوارئ الوطنية ، بكبسة زر ، اعتبارا من يوم السبت ،

تخيلوا معي ، مدى “مطاطية” هذه العبارة: الأزمات والطوارىء الوطنية ، وتخيلوا معي كيف أن هذا العالم الكوني الذي بنته شبكة الإنترنت يمكن أن ينتهي بكبسة زر ،

القصة كما نقلتها وكالات الأنباء تدعو للضحك ، فقد “حلم” عضو الكونغرس الأميركي جو ليبرمان ذات ليلة بمشروع قانون يتيح للرئيس الأميركي باراك أوباما ، إغلاق شبكة الإنترنت العالمية لدواعي “الأمن القومي الأميركي” وبالفعل ، تقدم بهذا المشروع ، وأصبح تشريعا ، عمر حلم ليبرمان ، وهو النسخة الأمريكية من ليبرمان الكيان الصهيوني ، استمر سنوات ، وها هو يتمكن من تمرير القانون الذي يمنح الرئيس الأميركي السلطة المطلقة للسيطرة على شبكة الإنترنت ، بتفويض من الكونغرس ، بحيث يتاح له قتل الشبكة بمجرد الضغط على زر ، في حال أي تهديد للأمن القومي الأميركي ، أما من يحدد حجم وشكل ومدى خطورة هذا التهديد ، فهذا عائد لمزاج الرئيس ومطبخه الأمني،

مبررات ليبرمان في سعيه لتمرير القانون ، حمّله لما سماه جرائم الإنترنت الأمنية ، خاصة استغلال العناصر “الإرهابية” لشبكة الإنترنت في الإعداد لهجمات على أهداف أميركية ، ونحن نعلم هنا أن هذا الملف بأكمله يحيط به الغموض من كل جانب ، فثمة من يؤكد أن وكالات الإستخبارات الأمريكية ذاتها معنية بإبقاء الخطر “الإرهابي” حيا وماثلا في الذهن الأمريكي لتمرير أجندات أمنية خاصة بإبقاء العالم بأسره في حالة ذعر ، ما يمكن أمريكا من إبقاء سيطرتها على غير بؤرة ساحنة في العالم ، بدعوى وجود الخطر الإرهابي ، كما يمكن السلطات الأمريكية ذاتها من استثمار وجود هذا العدو لاستنزاف أطراف ودول عدة بدعوى هذا الخطر،

وتحت هذا القانون سيكون على كل الشركات التي تقدم خدمات الإنترنت الخضوع لدواعي الأمن القومي ، حيث يتم تغريم أي شركة لا توقف الشبكة ، والغريب في الأمر ، أن الشركات الكبرى ، التي يقوم عملها على الإنترنت ، ترحب بالقانون ، الذي يضمن لها تعويضاً مالياً في حال توقف الشبكة ، والسؤال هنا: من يعوض العالم وشركاته عن أي أضرار قد تقع فيما لو فكر الرئيس باستخدام إصبعه ، في الضغط على زر إغلاق حنفية الإنترنت؟

جماعات الضغط والجماعات الحقوقية تعارض القانون بشدة ، لأن مثل هذا القانون ، كما تقول هذه الجماعات ، يصادر حرية التعبير ، ويجعل أميركا تمارس الرقابة نفسها التي تمارسها الصين على الإنترنت ، كما ترى جماعات حقوقية أن الحكومة الأميركية تسعى إلى الحصول على أي وسيلة تسيطر بها على الإنترنت ، وهنا مربط الفرس ، لأن هذا القانون يمسك بخناق الكرة الأرضية بأكملها ، بعد أن أصبح الإنترنت عصب الحياة في مختلف النشاطات الإنسانية ، ابتداء بالتواصل بين عاشقين ، وانتهاء بتسيير شبكات الإتصالات وإدارة البنوك وربما تشغيل محطات الكهرباء والمصافي،

تخيلوا كيف يصبح عنق العالم كله مربوطا بحبل يمسك به أوباما بإصبعه ، وسيكون بمقدوره بحركة بسيطة خنق هذا العالم بأسره،

About this publication