Tales of an American President and the Jewish Forces

<--

حكايات أميركية عن الرئيس والقوى اليهودية

الأثنين يونيو 21 2010 – محمد جلال عناية

عندما يتطرق الحديث الى القوى اليهودية المعاصرة في اميركا، يتبادر الى الذهن اننا ندخل في متاهة من الأحاجي والألغاز. ان هذا الانطباع يعود الى سببين: أولهما، الحذق اليهودي في التخفي والتستر، وثانيهما: حالة الاغفال والاهمال العربية للتقصي عن أحوال الخصم، في الوقت الذي يتابع فيه اليهود احوال العرب، بدءاً باسرارهم العسكرية، وانتهاء بما يتهامس به بائع الخضار مع جارته بائعة اللبن حول التعسف الاسرائيلي، خلال تجاورهما في البيع في سوق قرية عربية.

اننا لن نتحدث عن الخطط والمؤامرات، فإن الخطط عندما لا تتحقق لا تخرج عن دائرة الاحلام، لذلك، لم نشترك في الجدل الدائر حول من وضع بروتوكلات حكماء صهيون، هل وضعها قسيس مسيحي لصالح الاستخبارات الروسية القيصرية، أم وضعها شيوخ اليهود أنفسهم؟

لم ندخل في هذا الجدل لسبب واحد، هو ان ما حققه اليهود من قوة قد تجاوز احلام حكماء صهيون، وان اساليب ممارستهم للسياسة، الظاهرة والخفية، تجاوزت في تقنيتها ما تخيله اليهود وما تخيله الآخرون عنهم.

جوبه اليهود في تاريخهم بقوى عاتية، تمثلت في البابليين والرومان والاسبان، وروسيا القيصرية، والمانيا النازية، وكادت كل واحدة من هذه القوى ان تودي بهم في مراحل مختلفة من التاريخ، لذلك استوعب الصهيونيون دروس التاريخ عندما اعتزموا اقامة دولة يهودية في فلسطين.

بدأوا بالبحث عن حليف، وعن عدو مشترك يربط بينهم وبين هذا الحليف، فكانت مصر هي ذلك العدو المشترك، فعملوا على اثارة مخاوف السلطان العثماني من مصر، وذكروه بحملات محمد علي بقيادة ابنه ابراهيم باشا، وحاولوا اقناعه بأن اقامة دولة يهودية في فلسطين سيكون صمام أمان يفصل بينه وبين مصر، ثم اتجهوا الى بريطانيا لاقناعها بأن اقامة دولة يهودية في فلسطين سيؤمن لها طريقاً برياً بين البحر المتوسط والخليج العربي يغنيها عن قناة السويس اذا ما ساءت الاحوال بينها وبين مصر.

منذ ان وصل اليهود الى اميركا للاستيطان قبل اكثر من ٣٠٠ سنة وحتى بداية القرن الحادي والعشرين، كان مبدأ العمل التطوعي هو الأداة الاساسية في تنظيم الحياة اليهودية في اميركا، فبينما كان اليهود في اوروبا وشمال افريقيا يجبرون على تنظيم شؤونهم كجالية من قبل حكومات تلك المناطق، لايجاد هيئة تمثلهم امام السلطة الحاكمة، الا ان هذا الامر كان تطوعاً في اميركا ولا شأن للحكومة به.

ان وضع اليهود الاميركيين المتميز اقتصادياً والثراء الذي هم عليه، قد جعلهم في وضع المقتدر على تقديم الدعم المالي لليهود الآخرين في انحاء مختلفة من العالم، وكما ان الولايات المتحدة الاميركية ارتفعت مكانتها الدولية خلال الحرب العالمية الثانية، فإن يهود اميركا ازدادت قوتهم كذلك، وأصبحوا في مركز القيادة بالنسبة ليهود العالم.

ان المعاناة والتشتت وما اصاب يهود اوروبا في فترة الحرب العالمية الثانية قد اوجد فراغاً في قيادة يهود العالم لم يكن هناك من يشغله سوى يهود اميركا، لانهم يشكلون اكبر جالية يهودية بقيت خلال الحرب على حالها لم يلحقها أذى.

غادر دافيد بن غوريون رئيس الوكالة اليهودية فلسطين في ربيع عام ١٩٤٠، في رحلة الى بريطانيا ومنها الى الولايات المتحدة الاميركية.

وكان بن غوريون قد استمع الى ملاحظات بعض الاشخاص الذين سبق لهم ان زاروا اميركا، واطلعوا على احوال الجالية اليهودية هناك.

ظلت اعداد المنتمين الى المنظمات الصهيونية في اميركا في تزايد مستمر.

ولكن هذه الكثرة، كما رآها بن غوريون، كانت منشغلة بالاعمال الخيرية وتفتقر الى العمل الدبلوماسي.

كانت القاعدة المتبعة انه عندما تحدث تغيرات كبيرة في الدبلوماسية الصهيونية، فإن هذه التغيرات يجب ان تخضع لموافقة «المؤتمر اليهودي العالمي»، ولكن ظروف الحرب العالمية الثانية كانت تحول دون انعقاد هذا المؤتمر.

لذلك، قرر بن غوريون وزملاؤه في الوكالة اليهودية الاتجاه على الفور الى الجالية اليهودية الاميركية، وبناء على الحاح بن غوريون وزملائه دعا «مجلس الطوارىء اليهودي» الى عقد مؤتمر استثنائي يضم الصهاينة الاميركيين، والقادة الصهاينة الزائرين في شهر آيار ١٩٤٢، في فندق بلتيمور في نيويورك، وشارك في هذا المؤتمر ستمائة مندوب، وبدا مؤتمر بلتيمور وكأنه مؤتمر صهيوني عالمي.

صدر عن المؤتمر قرار يتألف من ثماني نقاط اصبح يعرف فيما بعد باسم برنامج بلتيمور، وأهم النقاط التي تضمنها هذا البرنامج هي: تكوين جيش يهودي في فلسطين، وفتح باب الهجرة اليهودية الى فلسطين دون قيد او شرط، وتسليم الاراضي الصالحة للزراعة للوكالة اليهودية، وقيام دولة يهودية ذات سيادة في فلسطين عند انتهاء الحرب العالمية الثانية.

مع كل هذا الحماس الصهيوني الذي تمنى اصحابه ان تنتقل عدواه الى الحكومة الاميركية، الا ان الصهاينة كانوا في واد والادارة الاميركية في واد آخر.

منذ وعد بلفور (٢/ ١١/ ١٩١٧) كانت شكوك وزارة الخارجية الاميركية حول الصهيونية تتكثف الى ان تحولت الى عداء شديد، وانه قبل الحرب العالمية الثانية وخلالها قام ولاس موراي، مدير دائرة الشرق الادنى في وزارة الخارجية الاميركية بتحذير كل من وكيل الوزارة سمنر ويليس، ووزير الخارجية كورديل هل بالبقاء في منأى عن الصهيونية،

وأوصاهما بعدم القيام بأي عمل من شأنه تعقيد علاقة بريطانيا بالعالم العربي. فقام وزير الخارجية كورديل هل بنقل التحذير الى الرئيس الاميركي فرانكلين روزفلت الذي استجاب الى التحذير لدرجة الامتناع حتى عن ارسال تحية شكلية الى الحضور في المأدبة السنوية التي اقامها «الصندوق القومي اليهودي» عام ١٩٤١ في مدينة ديترويت.

واتخذت وزارة الخارجية الاميركية موقفاً عدائياً من مؤتمر بلتيمور الذي غالى في مطالبه، التي لم تتوقف عند حد تكوين جيش يهودي، واقامة وطن قومي لليهود، بل طالب بقيام دولة يهودية ذات سيادة في فلسطين.

كان الرئيس فرانكلين روزفلت متردداً في تحقيق آمال الحركة الصهيونية، وفي عدة مناسبات ذكر روزفلت لوزير ماليته اليهودي هنري مورجنثاو عن اهتمامه بعدم معاداة العرب، وعن شكه في قدرة فلسطين على استيعاب ملايين اليهود من المهاجرين الجدد.

وأبدى الرئيس روزفلت الملاحظة نفسها الى السناتور روبرت واغنر، والى الحاخام ستيفن وايز والوفد الصهيوني المرافق له، قبل ان يغادر بلاده للمشاركة في مؤتمر يالطا، حيث تساءل الرئيس روزفلت مستنكراً: «كيف تستطيع ارض فقيرة مثل فلسطين ان تستوعب حقيقة هذا العدد الكبير من المهاجرين اليهود؟» . وقد اعترت الحاخام وايز الرجفة وهو يستمع الى هذه الملاحظات لاول مرة من الرئيس روزفلت.

ان خبر وفاة الرئيس روزفلت، وتولي نائبه هاري ترومان منصب الرئيس، وقع على رؤوس الجميع وقوع الصاعقة، الشعب الاميركي والكونغرس والادارة، والقوات العسكرية. ولم تكن الكارثة تتمثل فقط بالنسبة للكثيرين في موت رئيس عظيم، بل في تولي رئيس ضعيف مكانه.

بعد ان تسلم مهامه، كان من ضمن العاملين في ادارة الرئيس ترومان اثنان من اشد اليهود حماساً في الدفاع عن المصالح اليهودية، وهما كلارك كليفورد ، وديفيد نايلز. وكان نايلز قد عمل مع الرئيس روزفلت ثم استمر في العمل مع ترومان. ويقول بأنه لمس في ترومان «تعاطفا مع اليهود» لم يلمسه لدى روزفلت. وفي مناسبة اخرى، قال نايلز: «لو بقي روزفلت على قيد الحياة لما سارت الامور (لصالح اليهود) بالشكل الذي سارت عليه».

في يوم السبت ١٩٤٧/١١/٢٩، وافقت الجمعية العامة للامم المتحدة على قرار تقسيم فلسطين. وقد قامت الادارة الاميركية ممثلة في الرئيس هاري ترومان بدور حاسم لتمرير هذا القرار. وقد اخبر ترومان صديقه القديم ايدي جاكوبسون احد كبار الناشطين اليهود الصهيونيين في اميركا، بأنه – اي ترومان – وحده المسؤول عن حشد الاصوات في الجمعية العامة للامم المتحدة لانجاح قرار التقسيم.

بعد ان استنزفته الجماعات الصهيونية لاخر قطرة، زار ترومان عام ١٩٥٣ المعهد اليهودي للعلوم اللاهوتية، فقال الشخص الذي قدمه الى لويس فنكلشتاين رئيس المعهد: «الرجل الذي ساعد في خلق دولة اسرائيل». عند ذلك استشاط ترومان غضباً، وقال: ماذا تعني يساعد ..» وتابع ترومان: «انا قورش .. انا قورش» . مشبها نفسه بالملك الفارسي الذي أعاد اليهود من السبي البابلي الى فلسطين.

قبل ترومان، كان الرئيس فرانكلين روزفلت، بطلاً قومياً في عيون الشعب الاميركي، فلم يأبه لاصوات اليهود الانتخابية. وبعد ترومان كان الرئيس آيزنهاور بطلاً قومياً قاد جيوش الحلفاء الى النصر في الحرب العالمية الثانية، فلم يأبه لاصوات اليهود الانتخابية عندما اصدر اوامره الصارمة الى بن غوريون للانسحاب من سيناء وقطاع غزة في اعقاب حرب السويس ١٩٥٦.

About this publication