Are Negotiations With Hezbollah Possible?

<--

استطلاع حول احتمالات مد «الجسور» بين «حزب الله» وواشنطن

الاثنين, 05 يوليو 2010 08:48

بيروت – ريتا فرج: لم تكن دعوة السفير الأميركي السابق في العراق راين كروكر إلى الحوار مع «حزب الله»، الذي تصفه الإدارة الأميركية بأنه «المنظمة الإرهابية الأكثر تنظيماً»، مسألة جديدة، إذ سبق أن طالبت بعض دوائر صنع القرار، وعلى رأسها «مؤسسة راند» التي تعتبر من مراكز التفكير الرئيسية في الولايات المتحدة، بالحوار مع الإسلاميين من المحيط الى الخليج، وخصوصاً حركة «الإخوان المسلمين» في مصر، وذلك سعياً إلى قنوات معتدلة تضعف الاتجاه المتشدد.

إذاً، ليست مطالبة بعض الشخصيات الأميركية بالحوار مع «حزب الله» عاملاً طارئاً، وحين تحدثت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون عن وجود جناحين داخل الحزب، الأول، عسكري مثير للقلق، والثاني سياسي، حمل هذا التصريح مدلولات مختلفة بالنسبة إلى كثيرين، فللمرة الأولى، تجري الإدارة الأميركية وعلى هذا المستوى تمييزاً بين ما يسمى الجناحين العسكري والسياسي. غير أن دعوات مستشار البيت الأبيض لشؤون الإرهاب جون برينان بدت أكثر وضوحاً، حين طالب بتطويع «حزب الله» عبر انخراطه في العمل السياسي، مع الإشارة إلى أن استراتيجية التطويع الذاتي في التعامل مع الحركات الإسلامية عبر إدماجها في السلطة لا تشكل نهجاً مختلفاً، فواشنطن طبقت ذلك في تعاملها مع الاسلاميين في الصومال والمغرب ومصر. وكانت المطالبة بتشكيل شبكات إسلامية معتدلة تبلورت عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر. آنذاك، وضعت «مؤسسة راند» التي تضم في طاقمها أبرز المحافظين الجدد القريبين من إدارة جورج بوش السابقة، تقريراً طالبت فيه بـ «بناء شبكات إسلامية معتدلة».

تحت عنوان «لغز إيران: تعزيز المعتدلين من دون التسليم بالعدوانية»، نشر جون برينان دراسة في الأكاديمية الأميركية للعلوم السياسية والاجتماعية أواسط العام 2008 قارب فيها العلاقة بين «حزب الله» وإيران، وقال: «يجب ألا تتوقع واشنطن في أي وقت أن تقطع طهران علاقاتها مع «حزب الله» اللبناني، العلاقات السياسية والدينية بين الزعماء الإيرانيين و«حزب الله» هي ببساطة عميقة الجذور إلى درجة لا تتأثر بالضغوط الخارجية، سواء من الولايات المتحدة، وإسرائيل، أو من أماكن أخرى». وأضاف أن «تنامي قوة «حزب الله» شبه العسكرية والسياسية والاجتماعية ظهرت بوضوح في العام 2006 عندما عجزت إسرائيل عن إلحاق ضرر استراتيجي بـ «حزب الله» رغم شنّ حملة عسكرية كبيرة لتحقيق ذلك».

وتنامي قدرة «حزب الله» السياسية والعسكرية وعلاقته مع إيران لا تقلق برينان فحسب، فقد عقدت لجنة الشؤون الخارجية في أوائل شهر يونيو جلسة حملت عنوان تقويم قوة «حزب الله»، قدم فيها مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فليتمان مطالعة قال فيها ان الولايات المتحدة لا ترى أي فارق بين جناح عسكري وآخر سياسي في «حزب الله» حتى تباشر الحوار وأضاف: «نحن لا نحاور (حزب الله)، ولا أرى أن هذه السياسة ستتغير ما دام (حزب الله) يحافظ على ميليشياته المسلحة». ورأى فيلتمان الذي يرفض الحوار مع الحزب، أن قوته تتراجع عمّا كانت عليه في السابق، ودليله على ذلك ما أظهرته نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة في لبنان.

في ظل الموقف الأميركي «الحائر» بين مدّ جسور الحوار مع «حزب الله» أو لا، طرحت «الراي» هذا الملف على كل من مسؤول العلاقات الدولية في الحزب السيد عمار الموسوي، والسفير اللبناني السابق في واشنطن عبد الله بو حبيب، وكبير الباحثين في «مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي» الدكتور عمرو حمزاوي.

عمرو حمزاوي: الخط الثابت في واشنطن يرفض الحوار مع الحزب والرهان على تيار معتدل داخله يفتقر إلى الواقعية

يرى الدكتور عمرو حمزاوي أن الدعوات إلى فتح حوار مع «حزب الله» لا تلقى تأثيراً في وزارة الخارجية الأميركية، ورهان كروكر على بناء تيار معتدل داخل الحزب يفتقد إلى رؤية واقعية. ويعتقد أن واشنطن تسعى إلى «تخفيف الضرر الذي يمكن أن ينتج من مغامرات الصراع العربي الإسرائيلي»، والثابت لديها وضع «حزب الله» في خانة المنظمات الإرهابية.

• دعا السفير الأميركي السابق لدى العراق راين كروكر إلى مراجعة التوجهات الأميركية مع «حزب الله» على أساس فتح قنوات حوار معه. ما قراءتك لهذا الطرح الجديد مع وجود آراء أميركية داعية إلى رفض التعاطي مع الحزب؟

ـ لا تختلف الإدارة الأميركية الحالية عن إدارة جورج بوش السابقة في آلية التعاطي مع «حزب الله»، فالاتجاه الثابت رغم الدعوة إلى الحوار مع الحزب، يعتبره معادياً للمصالح الأميركية، لارتباطه بالأجندة الإقليمية لكل من إيران وسورية. وفي رأيي أن إدارة أوباما بعيدة حتى اللحظة من حوار جدي مع الحزب بصرف النظر عن مطالبة البعض في وزارة الخارجية الأميركية بضرورة التواصل والاستماع إلى ما يقوله الحزب. المسألة الأساسية أن واشنطن تدرك مركزية دور «حزب الله» في المشهد اللبناني، ولكنها تعتبر أن التعددية السياسية في لبنان تعطيها ضماناً لتخفيف هذه المركزية. فالتعامل الأميركي مع الإسلاميين في الصومال والعراق انطلق من كونهم يشكلون القوى الإسلامية الأبرز هناك، وهذا الأمر غير متوافر في لبنان، مع العلم بأن واشنطن تراقب تصاعد قوة «حزب الله» غير المريحة ولكن غير المخيفة، وتعتبر أن هناك مجموعة من الظروف الداخلية والإقليمية تعرقل الذهاب بالحوار إلى مستويات أبعد بعكس الحالة الصومالية، أو العراقية.

• هل مطالبة بعض الجهات الرسمية الأميركية بالحوار مع «حزب الله» تعود إلى إدراكها أن إستراتيجية الاحتواء أو التطويع التدريجي في التعامل مع الإسلاميين هي الأهم، وخصوصاً إذا قورنت بالتجربة العراقية؟

ـ تقيم الولايات المتحدة تمييزاً بين الحركات الإسلامية المشاركة في الحياة السياسية كحركة «الإخوان المسلمين» في مصر، وحركات المقاومة مثل «حزب الله» و«حماس»، لذا اعتمدت معيارين في تعاطيها مع القوى غير المسلحة والقوى المسلحة. فمع الأولى سعت إلى محاولة احتوائها ليس بالمعنى الاستيعابي، إنما لجهة تحديد دورها السياسي والدعوي ورؤيتها للغرب، وهذا المعيار طبقته إدارة بوش السابقة حين قررت التدرج في استيعاب أجندة الإسلاميين الذين يتجهون الى العمل السياسي والاستماع إليهم. أما مع الحركات الإسلامية الجهادية، ومن بينها «حزب الله»، فواشنطن تعمل هنا على تخفيف الضرر الذي يمكن أن ينتج من مغامرات معينة في الصراع العربي الإسرائيلي، لذا تلجأ إلى تقوية ما يمكن تسميته الحمائم في مواجهة الصقور، من دون أن يعني ذلك إلغاء مسارات الحوار المرتقبة في المستقبل.

• سبق أن طالب جون برينان مساعد الرئيس الأميركي باراك أوباما لشؤون الأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب بأهمية البحث عن طرق تقلص نفوذ المتشددين داخل «حزب الله» لبناء عناصر أكثر اعتدالاً. إلى أي مدى يمكن الرهان على تيار معتدل إذا جاز التعبير داخل «حزب الله»؟

ـ هذه قراءة غير واعية وغير مبنية على معطيات التمييز بين ماهية «حزب الله» وحركة «الإخوان المسلمين» في مصر، وهي تنطلق من سياقات بعيدة من السياق اللبناني. فالحديث عن تيار متشدد وآخر معتدل عند «الإخوان» يمكن الركون إليه بسبب وجود تيارات متعددة عندهم، لكن هذا التفريق لا ينطبق على «حزب الله». فبعض الدعوات الأميركية إلى البحث عن اتجاه معتدل داخل الحزب تنطلق من رؤية بعيدة من الواقع اللبناني من جهة، ومن طبيعة «حزب الله» المتماسك عضوياً وايديولوجياً من جهة أخرى. وفي رأيي أن ما طبقته واشنطن في باكستان والعراق خلال حوارها مع الإسلاميين بهدف تقوية التيار المعتدل لا يمكن تطبيقه على «حزب الله». والمسألة الثانية أن الولايات المتحدة فعلاً، تحاول استخدام المعتدلين الإسلاميين كما حدث مع حركة «الإخوان»، وتسعى في المقابل إلى فتح قنوات اتصال مع حركة «طالبان» في أفغانستان، في موازاة تفريقها بين «حماس» الداخل و«حماس» الخارج، لكن الحال اللبنانية مختلفة ولا أعتقد أن داخل «حزب الله» عناصر أو قادة يمكن أن يؤسسوا لتيار معتدل.

• فتح الحوار مع «حزب الله» يتطلب في الحد الأدنى إجراء مراجعة لتوجهاته وخصوصاً ما يتعلق برؤيته للصراع العربي الإسرائيلي. هل تعرقل مركزية مقاومة إسرائيل مسارات الحوار المحتملة؟

ـ نتحدث عن مسألة افتراضية لن تحدث قريباً، وفي حال تم إرساء قواعد الحوار بين الولايات المتحدة و«حزب الله»، فمن المؤكد أن الصراع العربي الإسرائيلي سيشكل أهم نقاط النقاش. فواشنطن تسعى إلى تعزيز الحل السلمي على قاعدة اخراج الصراع من إطاره الوجودي، وتطالب الحركات الجهادية ومن بينها «حماس» بعدم معارضة عملية السلام وتقول لها: لا نريد منكم توقيع السلام ولكن لا تعارضوا مسار التسوية السلمية. هذا السيناريو نجح نسبياً مع الإسلاميين الفلسطينيين، أما «حزب الله» فيرفض الحل السلمي في المطلق، ويعتبر أن المقاومة هي الأساس في صراعه مع إسرائيل. غير أن المؤشر المهم الذي تتداوله بعض الدوائر الديبلوماسية الأميركية بعد حرب يوليو 2006 هو تغيير «حزب الله» لخطابه السياسي، إذ لم يعد يوجه معركته إلى الخارج وبدأ يحصر صراعه مع اسرائيل في الحدود اللبنانية، رغم رفضه التسوية السلمية، وارتباطه بإيران وسورية. ويبقى أن عملية الحوار تحتاج إلى وقت أطول في حال اخذت واشنطن هذا الخيار في الاعتبار.

• ألا تساهم المتغيرات الإقليمية ومن بينها تراجع النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط، وتنامي دور إيران وتركيا، في تعزيز لجوء الإدارة الأميركية إلى الطرق الديبلوماسية لاحتواء «حزب الله»؟

ـ المتغيرات الإقليمية لن تدفع الولايات المتحدة إلى تفعيل الاتجاه المطالب بالحوار مع الحزب، وفي تقديري أن بعض الآراء السياسية تبالغ في الحديث عن تصاعد قوة إيران وسورية والدور التركي في الشرق الأوسط. الصراع لا يمكن اختزاله في معسكر مقاومة ينتصر ومعسكر سلام يتراجع، وللولايات المتحدة حلفاؤها ولا تحتاج إلى الحوار مع الآخرين إلاّ من منطلق تخفيف الضرر، مع العلم بأن «حزب الله» لا يمكن اعتباره لاعباً أساسياً في المعادلة الإقليمية، وخصوصاً بعد تدرج خطابه السياسي نحو الداخل اللبناني، باستثناء ما أعلنه من مواقف حول الحرب الإسرائيلية على غزة أواخر العام 2008، أو موقفه من قضية «أسطول الحرية».

• هناك ثنائية داخل الإدارة الأميركية في التعاطي مع «حزب الله» تتجلى في اتجاه يطالب بالحوار وآخر يرفضه. ما تفسيرك لذلك، وهل يعكس فشل تجربة واشنطن مع التيارات الإسلامية؟

ـ الخط الأساسي الذي يصنع السياسة الخارجية الأميركية يرفض حتى اللحظة الحوار مع الحزب، والأصوات الداعية إلى فتح قنوات اتصال لا تشكل تياراً فاعلاً. لقد نجحت تجربة واشنطن مع الإسلاميين في الصومال وباكستان والعراق نسبياً لسبب أساسي هو ابتعاد هؤلاء من ملف الصراع العربي الإسرائيلي الذي يشكل محوراً ايديولوجياً ولوجستياً لدى «حزب الله». وواشنطن تدرك أن الحركات الإسلامية البعيدة من تعقيدات أمن إسرائيل، تلتزم قواعد اللعبة السياسية السلمية، وخصوصاً حركة «الإخوان المسلمين» في مصر والمغرب والكويت. خلاصة القول ان الولايات المتحدة تقسم الحركات الإسلامية قسمين: الأول، القسم الدعوي الذي يلعن الغرب ولكنه لا يقدم على أي خطة إجرائية، وهذا التيار لا يشكل أزمة بالنسبة إليها ولا يهدد مصالحها، والثاني تدرجه في خانة الإرهاب وتتخوف من رد فعله في حالات الأزمة أو الصراع.

عمار الموسوي: أميركا لا تزال تصنّف حركات المقاومة إرهابية … لا يمكن محاورة قوة غاشمة تقدم دعماً مطلقاً لإسرائيل

يؤكد مسؤول العلاقات الدولية في «حزب الله» السيد عمار الموسوي أن واشنطن لم تبتعد من موقفها السلبي حيال حركات المقاومة كونها لا تزال تعتبرها ارهابية. وإذ يطالب بحسم قضايا المنطقة قبل الحديث عن فتح الحوار، يعتبر أن «لا جدوى من الحوار ما دامت أميركا تلتزم في شكل مطلق الموقف الإسرائيلي».

• في وزارة الخارجية الأميركية اتجاه يدعو إلى الحوار مع «حزب الله»، ما مدى جدية هذه الدعوة؟

– قرأنا بعض الآراء الصادرة عن قلة من المسؤولين الأميركيين حول الدعوة إلى الحوار مع «حزب الله»، وفي تقديري أنها ليست أكثر من وجهة نظر شخصية لا ترقى إلى مستوى وجود اتجاه جدي في السياسة الأميركية في شأن الحوار مع الحزب.

الموقف الأميركي لا يزال على سلبيته فهو يصنف حركات المقاومة حركات إرهابية، ولا تزال السياسة الأميركية الخارجية تنظر إلى المنطقة وقضاياها بعيون إسرائيلية، وبالتالي فالموقف من الحزب تحكمه عقدة الشراكة الاستراتيجية الأميركية – الإسرائيلية، وعلى رغم وجود أصوات تدعو بين الحين والآخر إلى فتح ثغرة في الجدار المسدود، إلا أنها لا تعبر عن أي اتجاه جدي أو رسمي.

• الطرح الذي تقدم به راين كروكر يشير إلى أهمية البحث عن تيار معتدل داخل الحزب. هل يمكن الحديث عن تيار معتدل وآخر متشدد؟

– لا يعنينا أي كلام على وجود معتدلين، أو متشددين داخل «حزب الله»، لأن مثل هذه التصنيفات لا قيمة لها ولا أساس وهذا التقسيم عبارة عن محاولة للالتفاف على موقف قديم هو موقف القطيعة الكاملة. بمعنى أن من يطرح مثل هذا التقسيم يحاول أن يوجد المبرر للعودة عن منطق القطيعة والشروع في الحوار تحت عنوان «أننا نشجع المعتدلين». ولكنني أستطيع أن أؤكد أن الجميع في «حزب الله» سواء من يعملون في السياسة، أو الإعلام، أو المقاومة، يعتبرون أنفسهم مقاومين، وكل يكمل الآخر في نهج المقاومة.

مرة أخرى، نرى الأميركيين يستخدمون موقفاً نمطياً في النظرة إلى المنطقة. انهم ينتجون المصطلحات ويعملون على تعميمها وتطبيقها من دون أي فحص، يقسمون العالم بين تطرف واعتدال، بحيث يصبح كل من يسير في ركب سياستهم جزءاً من محور الاعتدال في حين يصبح من يخالفهم الرأي أو الموقف متطرفاً وإرهابياً.

السياسة الأميركية تتصف بالفوقية والنمطية وقلة العمق والانحياز، وعلى هذا الأساس لا يمكن لأحد أن يتوقع حصول حوار مع الأميركيين. في المقابل، فإن لدينا تحفظات عن حوار كهذا، إذ لا يمكن أن نتصور حواراً مع قوة غاشمة تقوم سياستها على الهيمنة والدعم المطلق لإسرائيل، وبالتالي فعلى الولايات المتحدة أن تراجع سياساتها وتتخلى عن مواقفها المتعنتة وانحيازها السافر لإسرائيل. ونحن نرى كيف أن هذه السياسات تنتج للأميركيين الكثير من الأعداء الحقيقيين والقليل من الأصدقاء الوهميين.

نحن نرفض التعريف الأميركي للإرهاب، ونرفض كل محاولة لوصم مقاومتنا بالإرهاب، ونتسلح في هذا الإطار بكل الأعراف والشرائع والدساتير التي تنص على حق كل أمة، أو شعب، تعرض للخطر، أو الاحتلال، في أن يقاوم هذا الاحتلال بما توافر من وسائل وإمكانات.

كما نعتبر أن الولايات المتحدة ليست في موقع يؤهلها لتصنيف الآخرين أو منحهم الشهادات، فتاريخها ملطخ بالجرائم التي ارتكبها ويرتكبها القادة الأميركيون، وهذه الجرائم لا تزال متواصلة، حتى إن الأميركيين أنفسهم يتساءلون: لماذا يكرهنا الآخرون؟

• هل يمكن إدراج الخلاف بين «حزب الله» وواشنطن في سياق أيديولوجي أم سياسي؟

– الخلاف مع الولايات المتحدة لا ينطلق من أبعاد أيديولوجية، إذ ليس لدينا شيء ضد الشعب الأميركي، والعداء مع السياسة الأميركية غير قائم على أسس فكرية أو دينية، فنحن لا نؤمن بحتمية صراع الحضارات، ولا بحتمية المواجهة بين الشرق والغرب، أو بين المسيحية والإسلام، كما تروِّج بعض الأدبيات الغربية. الخلاف برمته هو خلاف سياسي مرتبط بالتوجهات الأميركية الاستعمارية في المنطقة.

• لماذا تتخوف الولايات المتحدة من وصول التيارات الإسلامية ومن بينها «حزب الله» إلى الحكم؟

– ببساطة لأن الولايات المتحدة لا تريد أن تتسلم السلطة في أي من دول العالمين العربي والإسلامي فئة مناوئة للسياسة الأميركية، وهذا لا ينطبق فقط على الحركات الإسلامية بل على غيرها أيضاً، ولو افترضنا أن الولايات المتحدة تمكنت من إيصال جماعة إسلامية معينة متوافقة معها إلى السلطة في بلد ما، فلن تكون هناك مشكلة مع هذه الجماعة. في اختصار، الأميركيون يدعمون من يؤيد مصالحهم. سبق أن دعم الغرب الانتخابات الفلسطينية، لكن هذا الغرب وعلى رأسه الأميركيون صدم بالنتيجة، فهو لم يدعم إجراء انتخابات لتفوز حركة «حماس»، والحصار المفروض منذ أعوام على قطاع غزة هو ترجمة للانقلاب الدولي على نتائج الانتخابات الفلسطينية. في أي حال، فإن الأميركيين قد لا يحبذون أي نموذج إسلامي حتى لو كان متعاوناً معهم، لأنهم يخشون أن يساهم ذلك في رفد الصعود الإسلامي على مستوى المنطقة.

• سبق أن أجريتم حواراً مع الأوروبيين، أين أنتم من احتمال الحوار مع الأميركيين، وما أبرز العوامل التي يمكن أن تعرقل ذلك؟

– لا جدوى من الحوار ما دامت أميركا تنحاز في شكل مطلق لإسرائيل وتغطي جرائمها. نحن أصحاب قضية، والأميركيون يتنكرون لهذه القضية بل يحاربونها بشدة، وينفقون الأموال الطائلة من أجل الإساءة إلى «حزب الله» وتشويه صورته، كما اعترف السفير الأميركي السابق في لبنان جيفري فيلتمان.

من يراقب السياسة الأميركية حيال لبنان خلال الأعوام الأخيرة، يلمس بسهولة كيف كانت قائمة على تحريض اللبنانيين بعضهم ضد بعض فضلاً عن التدخل في تفاصيل الوضع اللبناني وهذا ما لا نرضى به. حتى الحديث عن المساعدات الأميركية للبنان ليس سوى نافذة لممارسة أشكال التدخل والوصاية في الشؤون اللبنانية الداخلية.

• بعد هجمات 11 سبتمبر طرحت الإدارة الأميركية فكرة الحوار مع «حزب الله» على قاعدة أن الأصولية الشيعية أكثر براغماتية من الأصولية السنية. كيف تلقيتم هذا الطرح، وإلى أي مدى كان جدياً في تلك المرحلة؟

– إذا كان هناك من تطرف في المنطقة فليس سوى رد فعل على السياسات الاستعمارية التي تمارسها الولايات المتحدة. حتى الجنرال ديفيد بترايوس قائد المنطقة الوسطى والمسؤول عن الجيوش الأميركية في العراق وأفغانستان، أعلن بصورة واضحة أن الجنود الأميركيين الموجودين في المنطقة، يقتلون بسبب الكراهية المتنامية كردّ فعل على الأفعال الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وفي أي حال فالأميركيون لا يميزون بين جماعة وأخرى إلاَّ من أجل تحقيق ما يخدم مصالحهم، والتمييز الفعلي الذي يمارسونه يكمن في تحريض المسلمين بعضهم ضد بعض، لأن الانقسامات والصراعات المذهبية ربما تكون الفرصة الأخيرة بالنسبة إليهم لينقذوا أنفسهم من التورط الكبير الذي انزلقوا إليه في المنطقة.

عبد الله بو حبيب: واشنطن لن تحاور «حزب الله» إلا إذا اعترف بوجود إسرائيل

يستبعد السفير السابق في واشنطن عبد الله بو حبيب اجراء حوار بين «حزب الله» والإدارة الأميركية، مؤكداً أن واشنطن لا تخوض هذه التجربة إلاّ إذا اعترف الحزب بوجود إسرائيل. ويشير إلى وجود اتجاه في الولايات المتحدة يدعو إلى فتح قنوات تواصل مع الأصولية الشيعية التي لا تتبنى خطاب القطيعة مع الغرب.

• بين النهج الأميركي الجديد الذي أرساه الرئيس باراك أوباما حين تحدث عن أهمية الحوار مع الخصوم وبراغماتية «حزب الله». إلى أي حد يمكن توقع حوار عبر وسطاء بين واشنطن والحزب؟

– حين تحدث باراك أوباما عن الحوار مع الخصوم، تكلم في شكل عام ولم يشر إلى الحوار المباشر، بل إلى التواصل مع الجميع وفي مقدمهم إيران، علماً أن التخاطب مع طهران حصل في إدارة بوش في شأن الملف العراقي. الإدارة الأميركية كان لها تجربة مع الحركات الإسلامية وتحديداً حركة «حماس»، فعندما خاضت الحركة الانتخابات التشريعية العام 2006 اشترطت عليها واشنطن القبول بإسرائيل للتحاور معها، لكن هذا السيناريو لم يتحقق، فطوقت «حماس» وتمت محاصرة غزة. وإذا قارنا بين تجربة «حماس» وبعض الدعوات الأميركية إلى محاورة «حزب الله»، فأول الشروط ستكون القبول بإسرائيل، أو أقله الاعتراف بوجودها، وهذا أمر مستبعد يرفضه الحزب علناً. الأمر إذاً ممكن التحقيق وفق الإدارة الأميركية شرط الاعتراف بإسرائيل. وفي رأيي أن الطرح الذي تقدم به راين كروكر ينطلق من موقعه الحالي، فغالبية الديبلوماسيين، بعد خروجهم من الإدارة أو مواقع القرار، يطرحون أفكاراً قد تختلف عن أولويات وزارة الخارجية الأميركية. الأميركيون عموماً يحبذون التحاور مع الجميع، لكن السياسة الخارجية الأميركية تتجه نحو مقاطعة الدول التي تعتبرها عدوة أو غير صديقة.

• تحاور الأميركيون مع الإيرانيين في ما يتعلق بالعراق. ما الذي يمنع تحقيق هذا الحوار مع «حزب الله»؟

– الولايات المتحدة الأميركية تنظر إلى «حزب الله» كجناح عسكري تابع لإيران، وتريد نزع سلاحه، أو ضبطه بواسطة الجيش اللبناني قبل البدء بأي حوار. وطبعاً، القبول بوجود إسرائيل يعتبر العامل الأهم لوجود مثل هذا الحوار، ما يعني أنه مستحيل. واشنطن تحاول تكرار تجربة «منظمة التحرير الفلسطينية» مع «حزب الله»، حين أجبرت ياسر عرفات على الاعتراف بإسرائيل. لكن الوضع في لبنان مختلف وللحزب اعتباراته الخاصة، من هنا فالحوار غير وارد في الوقت الحالي.

• البريطانيون أجروا حواراً مع الحزب ونجحوا فيه نسبياً. ما الذي يميزهم عن الأميركيين؟

– يحاول الاوروبيون التميز في سياستهم الشرق الأوسطية عن الولايات المتحدة، ويفتحون أبواب الحوار مع منظمات مثل «حزب الله» تقاطعها واشنطن. والحوار الذي جرى بين بريطانيا والحزب رحب به قادة التنظيم، ولكن ليس هناك نتائج ملموسة على الأرض لأن السياسة الغربية في المنطقة تضعها الولايات المتحدة، والاوروبيون لم تعد لهم فاعلية في مواجهة العملاق الأميركي، علماً أنهم لا يختلفون عن واشنطن في توجهاتها الخارجية، وإن اتجهوا نحو مزيد من الليونة أو الديبلوماسية. النظرة التي تسود الغرب تعتبر أن المنطقة تتأرجح بين أصوليتين، الأصولية الشيعية التي لا تبني خطابها على أساس القطيعة مع الغرب، والسلفية السنية، أو الـ «بن لادنية» التي تكفر الغرب وتعتبر أنه فكك أواصر الامبراطورية الإسلامية العام 1918 ويحاول زرع عقائده في الشرق. وكما أشرت بدأ الغرب منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 التمييز بين الأصولية الشيعية والأصولية السنيّة، فإيران دولة دينية تريد أن يحسب لها حساب وتسعى إلى رفع شأن الشيعة في العالم، ولكنها لا تقدم رؤية عدائية حيال الحضارة الغربية مثل السلفيين. هناك اتجاه في الغرب يفكر في إمكان التعاون مع الأصولية الشيعية في أكثر من مكان، لكن ما يعرقل هذا التعاون بالنسبة إلى الولايات المتحدة رغم شروطه الموضوعية عدم اعتراف الأصولية الشيعية بإسرائيل.

• ما قراءتك لطرح راين كروكر، وهل يمكن تعزيز هذا الاتجاه في ظل التوتر الإقليمي الراهن؟

– الحوار الذي دعا اليه كروكر غير وارد في الوقت الحالي، وبصرف النظر عن التوتر الإقليمي الذي أشرت إليه، فإن للولايات المتحدة أجندتها في المنطقة، وهي تنظر إلى «حزب الله» كمنظمة إرهابية. في السابق، أي قبل تحرير الجنوب اللبناني، لم تكن الرؤية الأميركية حيال الحزب حادة كما هي اليوم. كان الأميركيون يتفهمون عمليات المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي ولم يصنفوا «حزب الله» في خانة الإرهاب. من هنا، فإن المشهد الإقليمي في الوقت الراهن أكثر تعقيداً، وخصوصاً مع دخول العامل العراقي وتنامي نفوذ ايران فيه. لذا، فإن الحوار بين «حزب الله» وواشنطن لا يمكن تحقيقه في الأفق المنظور.

About this publication