الانسحاب الاميركي .. فرصة لإنقاذ ما تبقى!
(صوت العراق) – 02-09-2010
ارسل هذا الموضوع لصديق
بقلم: صادق الازرقي
بدءا لا بأس من التذكير ببعض الحقائق التي اقترنت بموقف العراقيين من النظام المباد ولاسيما المدة الأخيرة من عمر هذا النظام والتداعيات المرتبطة بعملية إسقاطه. ومن دون شك فان الأغلبية الساحقة من العراقيين ـ وتلك بديهية معروفة ـ كانت تسعى الى الخلاص من ربقة النظام السابق الذي أذاقهم صنوف العذاب وأوقع البلاد في مطبات أدت الى خرابها وضياع مستقبلها، غير ان الشعب لم يكن يطمح الى ان يجري إسقاط النظام بالطريقة التي جرت بها الأمور أي ان ينجز ذلك بوساطة دولة أخرى هي القوة الأعظم في العالم ونعني بها اميركا.
كان المواطن العراقي يقنع لو جرى الإطاحة بصدام عن طريق انقلاب عسكري مثلاً يعقبه حكم مؤقت لأمد معين من الوقت يتهيأ الناس إثناءه الى انتخابات حقيقية بعد ان يجري بوساطة الخبراء وبالاستعانة بتجارب الدول الديمقراطية اتخاذ إجراءات ضرورية تمهد للعملية الانتخابية منها تشريع قانون للأحزاب ومثله للانتخابات، اما سن دستور جديد للبلاد فكان من الممكن ان يؤجل لحين إجراء الانتخابات والتئام عقد مجلس جديد للنواب، وفي ظل هذا تبقى مفاصل الدولة الضرورية التي هي في الحقيقة في جزء كبير منها نتاج ما سمى بـ (الدولة الوطنية) الذي نشأ في عشرينات القرن الماضي.
أردنا من تلك المقدمة الموجزة ان نشير الى ان موقف الشعب العراقي من التغيير بوساطة العامل الخارجي كان الرفض الواضح، لكن الأمور التي رافقت المدة الأخيرة من حكم النظام المباد وتشبث صدام حسين بالسلطة حتى لو تدمر العراق أدى بالأحداث الى ان تجري بالصورة التي جرت بها وان يُسقط النظام المباد بالتدخل المباشر من قبل قوات التحالف التي تقودها اميركا. ولقد أدى ذلك الوضع برغم فرح الناس بالتغيير و طموحهم الى تحسن الأحوال الى التداعيات الخطيرة المعروفة التي نعيش تبعاتها حتى الآن ونحن لسنا بصدد شرحها فهي معروفة للجميع.
لقد شرعت القوات الاميركية الآن بالانسحاب فعلا من العراق تنفيذا للشق الأمني من اتفاق انسحاب القوات الأميركية من العراق الذي نص فيما نص على انسحاب جميع قوات الولايات المتحدة من جميع الأراضي العراقية في موعد لا يتعدى كانون الأول عام 2011 بحسب المادة الرابعة والعشرين من الاتفاقية، وان من اصل اكثر من 170 الف عسكري اميركي دخلوا العراق في نيسان 2003 لم يبق إلا اقل من 50 إلفا أعلنت اميركا انها ستبقيهم حتى نهاية عام 2011 لتدريب القوات العراقية وللإسناد في حالات الطوارئ ، وفي الحقيقة فان الولايات المتحدة الاميركية شرعت في الانسحاب حتى قبل تاريخ بدء أول انسحاب في آب الماضي اذ ان قواتها كانت تنسحب عن طريق البصرة الى الكويت بصورة يومية من دون ان تكشف ذلك لوسائل الإعلام.
وبعد هذا الانسحاب وتمهيداً للانسحاب الكلي في نهاية العام المقبل فان الكرة أصبحت في ملعب الحكومة العراقية كما يقال، إذ عليها الآن أن تلملم أركان البيت العراقي وان تشرع في تشخيص الأخطاء والعمل على تداركها وعلاجها على وجه السرعة إذ أن أعذار التلكؤ والإخفاق التي اقترنت بالوضع العراقي طوال السنوات السبع من التغيير لم تعد تجدي نفعا، ومن نافلة القول ان من أهم الإجراءات التي ستثبت الدولة العراقية عن طريقها سيادتها واستقلالها، ان يصار الى تشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن إذ يحق للجميع بمن فيهم المشككون من الانسحاب التساؤل عن نفع عملية الانسحاب وعودة السيادة من دون إجراءات سياسية فاعلة تسندها وعلى رأسها تشكيل الحكومة وبناء المؤسسات.
يأتي في سلم أولويات الدولة والحكومة العراقيتين ان تظهرا للناس فوائد هذا الانسحاب ومغزاه بأن تحث الحكومة الخطى لحصد ثمرات عودة السيادة التي لا معنى لها إذا ظلت حال البلاد في مستوى التدهور الذي نشهده الآن ولاسيما في مجال الخدمات المقدمة للمواطنين والاختراق الأمني المتواصل الذي يحصد أرواح الناس في كل يوم. ان من أولويات تكريس السيادة إنشاء جيش مهني وطني يرتفع فوق الميول الدينية والطائفية والقومية بل هو جيش دائم للجميع ويجب ان يحرس الناس كافة ومثل ذلك يقال عن أجهزة الشرطة، وان التوصل الى هكذا هدف سيعزز من سيادة البلد واستقلاله ويبني دولة قوية بغض النظر عن الحكومات المتعاقبة، وحتى إذا تطلب الأمر مراجعة سياسة التطوع التي انتابها كثير من الإخفاقات وسن سياسة تطوع جديدة في صفوف القوى الأمنية فيجب فعل ذلك.
من الأمور الأخرى التي ترتبط بتحقق سيادة ومنعة الدولة هو الإسراع في تلبية حاجات الناس بصورة كاملة ولاسيما ما يتعلق منها بتوفير الطاقة الكهربائية و الخدمات الأخرى كافة إذ أن تنفيذ ذلك والوصول بالمجتمع الى حالة الرخاء المطلوب كفيل بتقوية ركائز الدولة وتكريس التلاحم بين المواطن ودولته و سيدفع ذلك المواطن إلى التعاون مع الأجهزة الأمنية ودعمها والتصدي للإرهاب والمليشيات المسلحة بصورة فاعلة، ويأتي في هذا الإطار ايضاً ضرورة محاربة الفساد واجتثاثه بصفته معطلا رئيسا للنمو الطبيعي لحياة البلد والناس.
ثمة أعمال كثيرة بانتظار الحكومة العراقية بعد انسحاب القوات الاميركية التي بانسحابها انكشفت وستنكشف جميع النوايا التي ستصبح على المحك في سباق محموم مع الزمن، فإما أن نثبت بـأننا جديرون بالمهمة التي كرسنا حياتنا لانجازها واستغلال الفرصة السانحة لإنقاذ الناس والبلد من الانحدار الى الهاوية، وإما تكريس ذلك الانحدار وإنشاء بلد مخرب مشتت ضائع و صنع أجيال يائسة من دون مستقبل، ونعتقد انه لا يوجد طريق ثالث بين كلا الأمرين.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.