تنمية أم تسليح…. أيّة مفاضلة ؟!
الأثنين سبتمبر 20 2010 – المحامي إبراهيم شعبان
تناقلت وسائل الاعلام أن المملكة العربية السعودية على وشك التعاقد مع الولايات المتحدة الأمريكية على صفقة سلاح جوية ضخمة، قيمتها أكثر من ستين مليار دولار أمريكي خلال السنوات القادمة، إذا وافق الكونجرس الأمريكي على الصفقة، ومرر اللوبي اليهودي ( الإيباك ) الصفقة ضمن شروطه كما حدث سابقا. وهذا يعني ببساطة أن المملكة تكون قد أنفقت خلال العقدين السابقين حوالي مائة مليار دولار أمريكي لشراء أسلحة معظمها سلاح جوي أو ما يتصل به. وإذا أضفنا هذا الرقم إلى ما تم شراؤه من قبل دول الخليج والمقدر بأربعين مليار دولار, فإن الرقم يغدو خياليا بمعنى الكلمة بحيث يتجاوز المائة وأربعين مليار دولارا أمريكيا. رقم تشيب له الولدان وتحتار التنمية فيه وفي ضخامته.
وفي ضوء هذا الإنفاق العسكري غير المسبوق، يقفز إلى الذهن فورا سؤال يتعلق بالتنمية المستدامة في المملكة ومصيرها بل في منطقة الجزيرة العربية برمتها. وإذا أردنا الدقة فالأرقام التي أوردناها هي لصفقات السلاح الأمريكية التي اشتريت فقط، ولا تتضمن الميزانيات العسكرية لتلك الدول ولا نفقاتها العسكرية التي بلغت مئات المليارات من الدولارات الأمريكية. ببساطة شديدة نحن نتحدث عن تريليونات من الدولارات مخصصة للإنفاق العسكري في دول الجزيرة العربية وعلى رأسها المملكة.
المشكلة ان المملكة تدفع نقدا حينما تشتري السلاح الأمريكي رغم ان هذا السلاح يخدم المصالح الأمريكية على المدى البعيد والقريب, بينما لا تدفع إسرائيل بنسا واحدا ثمنا للسلاح الأمريكي الذي يخدم إسرائيل أولا، فهي تأخذه ضمن المنحة العسكرية السنوية الأمريكية لإسرائيل. وفوق هذا وذاك فهي تختار وتدقق في النوعية والمدى والمضمون والتدريب وتفرض الشروط، بينما يفتقر الكثيرون ممن يشترون السلاح الأمريكي لهذه الميزات. ولعل من الجدير ذكره أن مصر والأردن تمنحان معونة عسكرية أمريكية سنوية، لكنها أقل من المنحة الإسرائيلية بكثير .
وكمراقب غير متخصص بالإقتصاد وبالإيرادات والنفقات, يبدو واضحا للعيان ولا يحتاج الأمر إلى متخصص أن النفقات العسكرية لمن ينفقها نفقات غير منتجة، بل عقيمة اقتصاديا، ولا تشغل اليد العاملة ولا السوق ولا الإقتصاد القومي، بل هي نفقات غير مجدية وقذف للمال في الخردة والقمامة. ولعل خير دليل على ذلك أن الدولار الأمريكي لم يتدهور في احلك ساعاته الإقتصادية، بينما انخفض مرتين أثناء الحرب الفيتنامية, بشكل رسمي.
العكس صحيح اقتصاديا، في حالة إنتاج السلاح في دولة كالولايات المتحدة الأمريكية، وبخاصة حاليا. فبعد حالة الأزمة الإقتصادية التي عاشتها الولايات المتحدة والغرب حديثا، تغدو مصانع السلاح بأمس الحاجة إلى الإنتاج العسكري. فهي تقلل البطالة في سوق العمل, وتعيد جزءا من البترودولار إلى أمريكا، وتنشر الصناعة الأمريكية في وجه منافستها الأوروبية والروسية, بل تؤدي إلى تدميرهما أو شلهما تدريجيا بحسب استيلائها على سوق السلاح. وبالتالي تغدو مصانع «بوينغ» و«لوكهيد» مسيطرتان على سوق السلاح الجوي بشكل خاص. وتزداد استثماراتهما وتكنولوجيتهما وتقدمهما وتأثيرهما على المنطقة وخارجها.
السؤال الكبير الذي يحتاج إلى إجابة : لماذا هذا الجنون في التسلح ومن أجل ماذا؟ هل هو الخطر الإيراني كما يردد الإعلام الأمريكي والإسرائيلي صباح مساء؟ هل هو الخطر النووي الإيراني كما يروج له الإعلام الغربي والعربي؟ هل هو الموضوع الشيعي أو إن أحببت القول الخطر الشيعي؟ هل هو الخطر الفارسي وعودة امبراطورية كورش؟ هل هو خطر الإرهاب الدولي القادم وبخاصة بعد أحداث أيلول وتفجيراته وماتبعه من تفجيرات في المملكة ذاتها وخارجها وفي أوروبا؟ هل هو من أجل السمسرة والعمولات التي حدثت سابقا في صفقة السلاح البريطاني للمملكة ؟
بعد الغزو الصدامي الفاشل والظالم لدولة الكويت، وإعادة الوضع على سابق عهده على يد القوات الأمريكية، ومن ثم غزو العراق على أيام بوش الإبن وعصابة المحافظين الجدد، تتجه المنطقة برمتها لأن تكون في القبضة الأمريكية وتمسك بخناقها، ولا تسمح لقوى خارجية بدخولها, وتحاول جاهدة في الوقت ذاته, أن لا يكون للقوى الداخلية أثر من آثار الإعاقة أو التأخير. كل ذلك بالتنسيق مع الغرب الذي يكتفي بالفتات على المائدة الأمريكية. ومن نافل القول أن الكونجرس الأمريكي بلوبياته وبخاصة اليهودي يمهد الشروط والأرض في هذه السيطرة الأمريكية، لتنتفع إسرائيل منها وتبقي احتلالها وتكمل استيطانها.
هذه الموازنات الضخمة للإنفاق العسكري والتسلح غير مقنعة لأي مبتدىء بعلم الإقتصاد، وبخاصة أن المملكة لم تبلغ بعد المستوى الإقتصادي لدولة مثل إسرائيل ودخل الفرد فيها وشبكة التأمينات الوطنية والإجتماعية فيها. المملكة المترامية الأطراف تحتاج إلى تنمية حقيقية في كل قطاعات الصناعة والزراعة والإدارة أكثر ألف مرة من السلاح ومشتقاته. فالإستثمار العسكري – تجاوزا – لا يؤدي إلى تنمية حقيقية ولا بأية صورة من الصور. فكل هذه الأسلحة مهما بلغ تعقيدها وتطورها ستصبح خردة في العلم العسكري بعد خمس سنوات, ذلك أن العلم بالغ التطور هذه الأيام ولا يقف عند سنة أو مرحلة أو شكل أو نوع أو تفصيل. وستكون فائدتها الوحيدة أنذاك, صهرها في مصنع للحديد والصلب، لأن خدمتها السنوية ستكون أكبر من فائدتها العملية.
خلق الأعداء الوهمية أمر برعت فيه القوى الإستعمارية منذ زمن بعيد ضمن مقولة فرق تسد. ودونما تبسيط أو تسطيح للأشياء، يمكن القول أن هناك مصالح للمملكة مختلفة مع المصالح الإيرانية، لكن البراعة التوفيق بين هذه المصالح المختلفة التي قد تصل درجة التعارض أحيانا بدل هذا الإنفاق العسكري الضخم على وحش وهمي أو على العنقاء المستحيلة. فالدول المتجاورة باقية تاريخيا ويجب أن يسودها الوئام والعلاقات الودية أما الدول البعيدة فيكفيها مبدأ قررته منذ القرن التاسع عشر هو مبدا ” ستمبسون “.
أفضل وسائل الحكم وأقربه للشعوب يكمن في التنمية المستدامة وليس في الإنفاق العسكري. الأخير مدعاة للتدخلات الخارجية وسفك الدماء والقلاقل الخارجية والداخلية والخبراء العسكريين بينما التنمية شعور بالأمن والإستقرار ورغد العيش والإزدهار. التنمية أكثر بقاء وطولا من التسلح وخلق فئة لاعمل لها سوى الجندية وإنفاق غير مجد بل عقيم. التنمية رهان على الشعب ورخائه، بينما السلاح مفهومه القمع والدمار ونعيق البوم .
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.