أيا كانت النتيجة التي ستنتهي إليها المفاوضات المباشرة الجارية بين الاسرائيليين والفلسطينيين, فإنها ستكون مسئولية الرئيس الأمريكي ؟
فنحن أمام وضع يتكرر في جميع دورات المفاوضات, وهو ممارسة القوي اليهودية الأمريكية, أعتي الضغوط علي الرئيس الأمريكي, والتي تعتمد فيها إسرائيل علي ترسانتها من وسائل الضغط, وليس علي قدرة مفاوضيها.
فما الذي كان يحدث من خلال السجل التاريخي لهذه الضغوط ؟
كثيرون من الساسة والكتاب والخبراء الأمريكيين تناولوا هذا الوضع بالاهتمام, من بينهم البروفيسور فريد جرينستين أستاذ العلوم السياسية بجامعة برينستون, في كتابه الصادر عام2000, بعنوان الاختلافات بين الرؤساء: من فرانكلين روزفلت إلي بيل كلينتون. قال فيه: في مجتمع تلعب فيه جماعات المصالح وقوي الضغط, دورا حاسما في فوز المرشح في الانتخابات, فإن المرشح يجد نفسه واقفا في نقطة يحاول فيها ان يوازن بين ارضاء هذه الجماعات, وبين حسابات مصالح بلاده. وان ثلاثة فقط من بين الأحد عشر رئيسا الذين تناولهم في كتابه, هم الذين نجحوا في تحرير إرادتهم كرؤساء من سيطرة حساباتهم الشخصية علي حسابات المصلحة العامة, في المواجهة بينهم وبين قوي الضغط اليهودية, وهم ايزنهاور ـ وجيرالد فورد ـ وجورج بوش( الأب). والثلاثة لم يتراجعوا أمام الضغوط, وأرغموا حكومات إسرائيل علي الانصياع لهم.
ولم يذكر جرينستين اسم جون كنيدي الذي أكدت الوثائق الرسمية للحكومتين الأمريكية والاسرائيلية, انه اعترض علي أبحاث اسرائيل لصنع قنبلة نووية, وصمم علي إخضاعها للتفتيش.. ربما لأن دور كنيدي قد طويت صفحته باغتياله.
ان عددا كبيرا من كبار الساسة والخبراء والمسئولين في عهود رؤساءأمريكيين والذين كانوا ضالعين في المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية, قد عكفوا علي وضع حصيلة خبرتهم في مؤلفات, توضح أسباب الفشل وأخطاء الماضي من جانب رؤساء أمريكا, مما جعلها مفاوضات سلام تدور حول نفسها ولا تنتهي الي نتيجة, منهم ثلاثة انتهوا من مؤلفاتهم قبيل تولي أوباما منصبه, ووضعوها أمام الرئيس الجديد كرسائل موجهة إليه, وتتفق مع بعضها علي أن أسباب الفشل راجعة الي تطابق الموقف الأمريكي مع مواقف اسرائيل أثناء المفاوضات, وعدم بلورة موقف أمريكي حاسم عن نجاح المفاوضات, وعدم التصدي لاندفاع إسرائيل في الاستيطان, رغم اعلان الدولة الأمريكية رسميا ان الاستيطان غير مشروع وعقبة أمام السلام وطالبوا بأن يكون للرئيس الجديد موقف حاسم, وتصميم علي حل النزاع, وحسب توقيت زمني للمفاوضات. والثلاثة هم ديفيد أرون ميللر, ودانييل كيرتزر, ومارتن انديك. فضلا عن مذكرة العشرة الكبار الذين ترأس مجموعتهم برنت سكوكرفت مستشار الأمن القومي للرئيس بوش الأب, والتي قدمت لأوباما مشروعا تفصيليا محدد الخطوات لحل نهائي للنزاع.
ان جو المفاوضات الجارية الآن قد صاحبه ما يوحي بتدبير لوقوع الفشل, في مرحلة ما من المفاوضات. فبينما كان نيتانياهو يردد تمسكه بالسلام, كان وزير خارجيته ليبرمان يستبعد ان يتحقق السلام في وقت قريب ويكرر المقولة التي سبقه اليها شارون عام2000, بالقول فلنترك حل المشكلة الفلسطينية للاجيال القادمة, وان كل ما يمكن ان يقبله هو اجراءات مؤقتة للتسوية وللدولة الفلسطينية.
يصل بنا هذا الي ما اكده هؤلاء الخبراء وغيرهم مع أنه لاحل بدون ضغط أمريكي علي اسرائيل.
فهل يضاف اسم اوباما, الي أسماء الرؤساء الثلاثة أو الاربعة, الذين حرروا إرادتهم, وانحازوا لحسابات الأمن القومي لبلادهم, قبل الانحياز لمصالحهم الشخصية وطموحهم بالفوز بفترة رئاسة ثانية؟!
ان الضغط اليهودي داخل الولايات المتحدة متوقع ومعروف, لكن الوضع هذه المرة يختلف عن أي من المرات السابقة, فأي ضعف في موقف الرئيس أوباما, إزاء الضغوط الاسرائيلية لن يكون انتقاصا من حقوق العرب, وسحبا من رصيد ثقتهم في الولايات المتحدة, لكنه قبل هذا وذاك سيكون علي حساب مصالح الأمن القومي الأمريكي, باعتراف كبار رجال الدولة في الولايات المتحدة ذاتهم.
لكن لايعني القاء مسئولية الفشل ـ لو حدث ـ علي الرئيس الأمريكي, هو إعفاء الدول العربية من مسئوليتها. اذا ظلت امكاناتها علي الضغط مجمدة, وكأنها محبوسة وراء جدران صلبة.. حبيسة لاتتحرك منها. لأن ما نحن بصدد التعامل معها ـ وهي الولايات المتحدة ـ ليست مجرد دولة يتشابه نظامها السياسي مع اي نظام لدولة أخري في العالم.
لأن نظامها سمح دستوريا وقانونيا بممارسة الضغوط ولو لصالح قوي أجنبية, علي الرئيس حين يتخذ قرار السياسة الخارجية.
وهو بالضبط المعني الذي سمعته مباشرة من مسئول كبير في ادارة كلينتون بقوله نحن مجتمع الضغوط..
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.