هل هناك سياسة أمريكية واضحة تجاه منطقة الشرق الأوسط؟ سؤال تختلف في الرد عليه كافة الأوساط المتابعة للتحركات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط.. وتفاديا للخوض في استراتيجية تجاه منطقة تتشابك مشاكلها بحيث أن أبلغ وصف لها هو أنها أشبه بنظرية الأواني المستطرقة.. حيث تتشابك كافة القضايا وتترابط.. وبالتالي فمن الأفضل متابعة ماذا إذا كانت هناك سياسة أمريكية واضحة ومحددة حول كيفية تسوية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي؟
قبل الرد علي هذا السؤال من الضروري الإشارة إلي موقف كاشف حيث قام البيت الأبيض عشية انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة عندما قضي الرئيس أوباما مايقرب من ثلاثة أيام بين قاعات وأروقة المنظمة الدولية ليناقش ويتشاور حول أهم القضايا والتحديات العالمية.. قام البيت الأبيض حينذاك بتوزيع مذكرة معلومات حول كيفية الدفع بالقضايا التي تمس المصالح الأمريكية في الأمم المتحدة.
وحددت المذكرة الخطوط الأساسية للسياسة الأمريكية حول كافة القضايا والتحديات التي تتعامل معها واشنطن.. وتناولت المذكرة الموقف الأمريكي من قضية منع الانتشار والملف النووي الإيراني.. والموقف من طموحات كوريا الشمالية والوضع في أفغانستان والعراق وتعزيز قوات حفظ السلام الدولية والوضع في السودان وفي ليبيريا وفي الكونغو وفي أريتريا وفي سيريلانكا بل تناولت أهمية سداد المتأخرات الأمريكية للأمم المتحدة.
ولكن كان من الغريب أن تغفل هذه المذكرة الإشارة إلي مشكلة الشرق الأوسط أو جهود السلام بل لم يرد اسم الشرق الأوسط أو إسرائيل أو النزاع الإسرائيلي الفلسطيني بهذه المذكرة هذا علي الرغم من إعلان واشنطن مرارا وتكررا أن هذه القضية تأتي علي رأس قائمة الأولويات الأمريكية وأن التسوية السلمية لقضية الشرق الأوسط مصلحة استراتيجية أمريكية.
وقد يكون إغفال ذكر هذه القضية بالغة الأهمية في المذكرة الأمريكية يرجع لأن واشنطن احتكرت تناول عمليات السلام وترفض مشاركة الشرعية الدولية في تناول قضية تمس إسرائيل.. وربما لمنع أي ضغط علي إسرائيل وهو أمر متكرر انعكس مؤخرا وبوضوح في الموقف الأمريكي بالوكالة الدولية للطاقة الذرية وعند انعقاد مجلس محافظي الوكالة للنظر في قرار عربي يدعو لانضمام إسرائيل لمعاهدة منع الانتشار النووي ووضع منشآتها النووية تحت الضمانات الدولية واستخدمت واشنطن كل مافي ترسانتها من حوافز وتهديدات لمنع إقرار مشروع القرار العربي علما بأنه يدخل في إطار الدعوة الأمريكية بدعم عالمية معاهدة منع الانتشار النووي.. وهو مايدعو إلي التفكير. إما في مصداقية الإدارة الأمريكية أو أن إسرائيل تعيش في عالم آخر.
وأمام الجمعية العامة أوضح الرئيس أوباما رغبة بلاده في تحقيق رؤية قيام دولتين وطالب إسرائيل بدبلوماسية شديدة الاستمرار في تجميد بناء المستوطنات لدعم استمرار المفاوضات المباشرة.. وإرضاء للجانب العربي أشار إلي إمكانية جلوس ممثلي الشعب الفلسطيني كدولة جديدة في الأمم المتحدة خلال عام.
وعلي الرغم من هذا الاسترضاء والاستجداء الأمريكي رفضت إسرائيل الاستجابة حيث أن الوقت في مصلحتها من حيث المواجهة مع إدارة الرئيس أوباما فمع مرور الأسابيع والشهور وفي وقت أصبح تجميد المحادثات المباشرة واقعاً سيصبح من الصعب علي واشنطن وهي تواجه إمكانية سيطرة الحزب الجمهوري علي الكونجرس بعد انتخابات التجديد النصفي في 2 نوفمبر أن تمارس أي نوع من الضغط علي الجانب الإسرائيلي.. حتي في حالة نجاحها في الدفع بجهود السلام علي الرغم من فشل الجهود المكوكية للسناتور جورج ميتشل فإنه من الواضح أن تناول الجهود السلمية بأسلوب الخطوات الصغيرة الذي تتبعه واشنطن وإصرارها علي أن تعلن من فترة لأخري إنها لاتستطيع فرض السلام سيمكن الجانب الإسرائيلي من وضع العقبة تلو الأخري حتي يجد الراعي الأمريكي نفسه علي مشارف حملة انتخابات الرئاسة الأمريكية في خريف عام 2011 حيث يلعب الإعلام الموالي لإسرائيل دورا هاما في تحجيم أي موقف شبه عادل لحل القضية الفلسطينية.
ومن المؤسف أن واشنطن علي الرغم من استنكارها لموقف إسرائيل المتعنت من عملية تجميد بناء المستوطنات وتحفظها الشديد في الرد علي تصريحات نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل ووزير خارجيته ليبرمان بشأن المستوطنات لم ترق إلي النقد الشديد الذي وجهته جريدة ها آرتس الإسرائيلية في مقال بعنوان »تجميد ليبرمان« دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي إلي انتهاز فرصة أزمة المستوطنات للتخلص من وزير خارجيته المتطرف ..
وقد أوضحت الجريدة أن المطالبة الفلسطينية بتجميد بناء المستوطنات ليست عذرا أو شرطا بل هو موقف مشروع للجانب الفلسطيني وتساءلت الجريدة: »لماذا نطالب الفلسطينيين بالتخلي عن شرط يحظي بمساندة المجتمع الدولي كله فيما عدا إسرائيل«؟
وإذا كان هناك من استنكروا تركيز إدارة أوباما علي جهود السلام في الشرق الأوسط مثل ريتشارد هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية ومن أعرب عن دهشته من استمرار تفاؤل إدارة أوباما بإمكانية إحراز تقدم نحو تسوية سلمية مثل ليزلي جيلب الخبير بشئون السياسة الأمريكية.. فإن روبرت دانن الخبير بشئون الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية دعا الرئيس أوباما إلي تعبئة جهود السلام بإحساس حقيقي بالأمل.
وأخيرا هل يمكن لواشنطن أن تحقق ماترجوه من نجاح في التوصل للسلام إذا لم تضع خطة عمل شاملة وواضحة لتسوية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي؟
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.