Principles Are Silent in U.S. Policy with Israel

<--

المبادئ المسكوت عنها في سياسة أمريكا مع إسرائيل

الخميس أكتوبر 21 2010 – عاطف الغمري

أثناء تولي جون فوستر دالاس وزارة الخارجية في عهد الرئيس أيزنهاور، ذهب إلى مجلس العلاقات الخارجية وهو من أكثر المراكز السياسية الأمريكية احتراماً يوم 4 أيلول 1955 وألقى خطاباً حدد فيه شروط الولايات المتحدة للسلام في الشرق الأوسط، وقال: إن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين يمكن أن تحل، وإذا كان بن غوريون يريد أن تساعده أمريكا دبلوماسياً وسياسياً وعسكرياً فيجب على إسرائيل أن تبرهن على نواياها للسلام بالمساعدة على حل المشكلة الحساسة للاجئين الفلسطينيين .

وبعدها أعاد أيزنهاور في 9 تشرين الثاني 1955تأكيد موقف دالاس في بيان رسمي، أي أنه حدد مبدأ مهماً في توجه السياسة الخارجية، تصطدم به اليوم كل العراقيل التي يضعها نتنياهو أمام السلام، خاصة شروطه عن يهودية الدولة، أو ما يروجون له عن قانون يلزم غير اليهود قسم الولاء للدولة اليهودية .

وأيزنهاور هو أول رئيس أمريكي يتخذ موقفاً رافضاً وضاغطاً على إسرائيل وأنصارها، حماية لمصالح الأمن القومي لبلاده .

كان موقف أيزنهاور مبنياً على التزام مبدأ ثابت في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، كان قد أرساه جورج واشنطن أول رئيس لأمريكا في خطبة الوداع عام 1796 التي حذر فيها من خطر ما أسماه الارتباط العاطفي، أو بناء المواقف على أساس عاطفي في العلاقة مع دولة أجنبية، وأوصى الأمريكيين بالبعد عن غواية النفوذ الأجنبي عليهم، أي التحيز المفرط لدولة أجنبية على حساب أخرى .

ومن أبرز الذين أثاروا ضرورة العودة إلى التزام مبدأ عدم بناء المواقف على أساس عاطفي، جورج بول وكيل وزارة الخارجية في حكومتي كيندي وجونسون، في كتابه “الخطأ والخيانة” عام 1994 والذي شرح فيه ما يحدث من خروج على هذا المبدأ، في ممارسات السياسة الخارجية في العلاقة مع إسرائيل وقال إن ذلك ليس في مصلحة الولايات المتحدة أو إسرائيل على السواء، وهو الكتاب الذي نظم اللوبي اليهودي حملة ضخمة لمنع الصحف من عرضه وتقييمه، لتقليص تأثيره في الرأي العام الأمريكي .

وجورج بول من أبرز خبراء السياسة الخارجية الأمريكية، وقد رشحه الرئيس كارتر ليكون وزير الخارجية، لكن اختياره لم يتم بسبب المواقف الحادة من القوى اليهودية ضده نتيجة آرائه المعلنة صراحة عن خطأ وخطورة التحيز لإسرائيل من المنظور الاستراتيجي لمصلحة الولايات المتحدة، منذ نشر مقاله الشهير عام 1977في مجلة “فورين أفيرز” بعنوان “كيف يمكن إنقاذ إسرائيل رغماً عنها؟” .

كان بول يتعامل في ما كتبه عن خطبة الوداع لجورج واشنطن، بناء على مبدأ أساسي في السياسة الخارجية، حاول الكثيرون التغاضي عنه، وعدم الإشارة إليه، استثناء في حالة إسرائيل، كلما حل يوم الاحتفال بعيد ميلاد جورج واشنطن يوم 22 شباط من كل عام، ,‏ وذلك من منطلق الاستناد إلى قاعدة أساسية في السياسة الأمريكية هي الاحترام والتزام المبادئ التي أرساها الآباء المؤسسون للولايات المتحدة .

وحسب تعريف علماء السياسة في أمريكا، فإن المبدأ في السياسة الخارجية هو نوع من الهندسة السياسية التي يُهتدى بها في تشييد معمار من مبادئ السياسة الخارجية، بناء على أسس وتوجيهات مستقرة وثابتة، يصاحبها ويعمل في خدمتها عدد محدود من السياسات المتغيرة المجهزة بمرونة الاستجابة لما قد يستجد أو يتغير في أوضاع العالم، وليس في معماره الهندسي .

والمبدأ كذلك هو الأساس لاستمرارية السياسة الخارجية، بما تتضمنه من رؤية ووسائل، تحمي مصالح الأمن القومي على المدى البعيد .

بمعنى أن كسر أحد أعمدة المبدأ، لمصلحة الانحياز العاطفي لدولة أجنبية، هو إضرار بالمصالح الحيوية للبلاد، وهو ما نبه إليه الكثيرون، كما أنه يمثل إخلالاً بالمنظومة المتكاملة للرؤية الاستراتيجية لسياسة أمريكا على مستوى العالم .

وقد نبهت أخيراً الدراسات التي كتبها عدد غير قليل من المفاوضين عن الجانب الأمريكي في جلسات المفاوضات الإسرائيلية، منهم ديفيد أرون ميللر، إلى أن الفشل الذي منيت به سياسات رؤساء أمريكا لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني سببه التطابق مع مواقف حكومات إسرائيل، وعدم مراجعتها بحسم في ما تتخذه من سياسات تعارض المبادئ المعلنة للسياسة الخارجية الأمريكية، وعلى سبيل المثال هناك التزام رسمي سياسي وأخلاقي من الرئاسة الأمريكية، معلن من الرئيس بوش الأب وكلينتون، برفض الاستيطان، واعتباره غير مشروع وعقبة أمام السلام .

القضية إذن ليست فقط انحيازاً، أو غض أمريكا النظر عن تجاوزات إسرائيلية تصل إلى مرحلة التحدي لها، بل إنه تقاعس أمريكي يمثل خروجاً على مبادئ ثابتة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، ما كان ينبغي التهاون في التزام بها ووضعها موضع التنفيذ

About this publication