The Future of Settlement in the Shadow of the American Withdrawal from Iraq

<--

مستقبل التسوية في ظلّ الانسحاب الأمريكي من العراق

Tuesday, 19 Oct 2010

صالح النعامي

تدلِّل كل المؤشِّرات على أن أحد أهم الأسباب التي تكمن وراء التحوُّل في موقف الإدارة الأمريكيَّة الحاليَة من إسرائيل، والذي تمثِّل حرص الرئيس أوباما على استرضاء نتنياهو وتجنُّب ممارسة أي ضغط عليه في الوقت الذي ضاعفَ فيه من ممارسة الضغوط على الأطراف العربيَّة والفلسطينيَّة، مرتبط أساسًا بقرار الولايات المتحدة سحب قواتِها من العراق والإعلان عن نيتِها الانسحاب من أفغانستان، حيث تبيَّن أن صناع القرار في تلّ أبيب قد نجحوا في إقناع إدارة أوباما بأن المصالح الاستراتيجيَّة العليا للولايات المتحدة تحتِّم على واشنطن إعادة الاعتبار لمكانة إسرائيل كحليف موثوق ومستقرّ، بعد الانسحاب من العراق والانسحاب المتوقَّع من أفغانستان.

لقد حرصَت النخَب الحاكمة والكثير من صنَّاع الرأي العام في إسرائيل على تقديم الانسحاب الأمريكي من العراق على أنه وصفة أكيدة لحالة خطرة جدًّا من عدم الاستقرار في المنطقة تهدّد مصالح الولايات المتحدة والمتمثِّلة بشكلٍ خاص في ضمان تدفُّق إمدادات النفط بدون أي إعاقة، وهدفتْ حملة التخويف التي قامت بها تل أبيب إلى إقناع الأمريكيين بأن الانسحاب من العراق سيجعلُ هذه البلاد تقع تحت سيطرة الإيرانيين بشكل يعزِّز “محور الشرّ”، ويضعف الأنظمة العربيَّة المتحالفة مع الولايات المتحدة في المنطقة، حيث يدَّعي الإسرائيليون أن التحالف الإيراني السوري سيكتسب قوَّة إضافيَّة بسقوط بغداد في قبضة الإيرانيين، ولم يفت الإسرائيليين الإشارة إلى أن الانسحاب من العراق سيدلِّل على تراجع نفوذ أمريكا في المنطقة، مما سيعمل على تآكل قوَّة ردعِها، لدرجة أنه سيشجِّع الأطراف العربيَّة المناوِئة لها على المسّ بمصالحها، وسيعمل على تحوُّل العراق إلى نقطة للانطلاق لضَرْب المصالح الأمريكيَّة، وتحديدًا في الخليج العربي.

ويؤكِّد الإسرائيليون أن ما يفاقِم تأثير التداعيات الخطيرة للانسحاب الأمريكي من العراق هو المشاكل الهائلة التي تواجه الأنظمة المتحالفة مع الولايات المتحدة، وتحديدًا النظام المصري، وعلى وجه الخصوص المخاطر التي تكتنف انتقال السلطة بعد خروج الرئيس حسني مبارك من دائرة الفعل السياسي، مع العلم بأن الأمريكيين يعوِّلون على الدور الذي يلعبه هذا النظام في التصدي لـ ” الخطر الإيراني” وكما يقول الكاتب الإسرائيلي ألوف بن فان حالة عدم اليقين السائدة في كلِّ ما يتعلَّق بمستقبل النظام في القاهرة تحتم على الأمريكيين تقليص رهاناتهم على أنظمة الحكم الديكتاتوريَّة المتحالفة مع واشنطن في المنطقة، ويحذِّر الإسرائيليون الإدارة الأمريكيَّة من مغبَّة انهيار عقيدة الرئيس أيزنهاور التي حكمت الاستراتيجيَّة الأمريكية في المنطقة منذ عام 1957، والتي قامتْ على مواجهة الأطراف التي تهدِّد المصالح الأمريكيَّة، مما جعل الولايات المتحدة لا تتردَّد في مواجهة كلّ زعماء الدول وقادة التنظيمات الذين تحدّوا الإرادة الأمريكية ابتداءً من جمال عبد الناصر وانتهاءً بصدام حسين وأسامة بن لادن.

ووفقَ هذه العقيدة فقد دافعت الولايات المتحدة عن الأنظمة العربيَّة المستبدَّة المتحالفة معها، حيث تستمدُّ هذه الأنظمة قدرتها على البقاء من الدعم الأمريكي لها، مقابل خضوعها لمحددات المصلحة الأمريكيَّة ودعمها لمجمعات الصناعات العسكريَّة الأمريكيَّة عبر التوسُّع في شراء كميات هائلة من السلاح الذي يصدأ في الغالب في مخازنِه.

ويدَّعِي الإسرائيليون أن الانسحاب الأمريكي من العراق في ظلّ عدم استقرار الأنظمة المتحالفة مع أمريكا سيؤدي إلى فتح شهية المزيد من القوى في المنطقة للتحرُّش بواشنطن، مما يدلِّل على وجوب إعادة الاعتبار لمكانة إسرائيل كـ “حليف موثوق ومستقرّ وقوي” للولايات المتحدة في المنطقة، والتصدي للخط الذي تعبِّر عنه الكثير من النخب في الولايات المتحدة، والتي تعتبر أن إسرائيل تمثل في الواقع عبْئًا على الولايات المتحدة وليس ذخرًا استراتيجيًّا لها.

ويدَّعِي الإسرائيليون أن الانسحاب من العراق سيؤدي إلى تهاوي نقطة الافتراض القائلة بأن إمكانيَّة مبادرة العرب لشنّ هجوم على إسرائيل ضئيل جدًّا، ويرون أن الانسحاب سيزيد من فُرَص شنّ هذه الحرب، مما يزيد من خطورة الجبهة الشرقيَّة، ويرَْن في تل أبيب أنه في ظل هذا الواقع يتوجب على الكيان الصهيوني مواصلة السيطرة على الضفة الغربيَّة التي يفترض أن تمتصَّ أي هجوم عربي من الجبهة الشرقيَّة، ولما كانت المستوطنات اليهوديَّة تمثِّل مواقع متقدِّمة للجيش الإسرائيلي وتؤدي دورًا أمنيًّا كبيرًا فإن “المصلحة الاستراتيجيَّة الخالصة” تقتضي الحفاظ عليها وليس تفكيكها في أي تسوية سياسيَّة مع الفلسطينيين.

ويتضِح من خلال محاولة تضخيم المخاطر الناجمة عن الانسحاب من العراق أن الإسرائيليين يهدفون إلى إيصال الأمريكيين إلى نتيجة مفادها أن القضية الفلسطينية تلعب دورًا هامشيًّا فقط في التأثير على استقرار الأوضاع في المنطقة والعالم، ويدعي وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي سيلفان شالوم أن انشغال إدارة الرئيس أوباما في محاولاتها لحلّ القضية الفلسطينيَّة لم يساعدْ في تقليص المخاطر التي تتعرَّض لها المصالح الأمريكيَّة والإسرائيليَّة وأن وضعَ حدّ للصراع الفلسطيني الإسرائيلي لن يؤدي إلى إعادة الاستقرار للمنطقة، بل إنه سيؤدي حتمًا إلى المزيد من الاضطراب الذي يصعب التكهن بنتائجِه، والذي يعزِّز ميل الإسرائيليين لاستثمار جهود كبيرة من أجل إقناع الأمريكيين بعدم مركزية القضيَّة الفلسطينيَّة هو معرفتهم المؤكَّدة أن الأنظمة العربيَّة المتحالفة مع واشنطن قد أبلغتْ ممثلي إدارة أوباما بشكلٍ لا يقبل التأويل أن معالجة التهديد النووي الإيراني تمثِّل أولوية يتوجَّب تقديمها على محاولات حلّ القضيَّة الفلسطينيَّة.

انطلاقُ الكثير من النخَب الإسرائيليَّة من الافتراض القائل بأن الانسحاب الأمريكي من العراق سيعزِّز مكانة إسرائيل كحليفة يمثِّل منطقًا إشكاليًّا لن يصمد في اختبار الواقع، فمن الواضح أن ضعف الولايات المتحدة وتراجع قوتِها ونفوذها سيؤدي إلى إضعاف إسرائيل حتمًا، فمن الواضح أن المكاسب الهائلة التي حقَّقتها إسرائيل خلال العقود الأخيرة كانت نتاج التحالف مع الولايات المتحدة كقطبٍ أوحَد وقوي، وقد تعزَّزت مكانة إسرائيل الإقليميَّة والدوليَّة بفعل هذه العلاقة، فالأطراف التي كانت ترغبُ في خطب ودّ واشنطن كانت في كثيرٍ من الأحيان تدفعُ ثمن هذه الرغبة بالعملة الإسرائيليَّة، حيث أدركتْ أن الطريق إلى واشنطن يمرُّ في تل أبيب، ولا مجال لحصر الأمثلة على ذلك.

إن ضعْف الولايات المتحدة الذي يمثلُه الانسحاب من العراق والانسحاب المتوقع من أفغانستان سيؤدي إلى بلورة نظام عالمي جديد متعدِّد الأقطاب، وهذا بكل تأكيد لا يمكن أن يخدم المصالح الإسرائيليَّة، فروسيا والصين والهند التي من المتوقع أن تلعب دورًا هامًّا في النظام الجديد ستبدي مستوى حساسيَّة أقل بكثير تجاه المصالح الإسرائيليَّة من الحساسية الأمريكيَّة لهذه المصالح عندما تندفع للمنطقة بحثًا عن مصادر الطاقة، في نفس الوقت فإن تراجع قوَّة نفوذ أمريكا سيؤدي حتمًا إلى ميل واشنطن للتوافق مع القوى العالميَّة الأخرى، وستبدي استعدادًا أكبر للمساومة، ومن غير المستبعَد أن تكون المساومة في بعض الأحيان على حساب المصالح الإسرائيليَّة.

إن مظاهر الضعف الأمريكي الواضحة لم تبدأ بالانسحاب من العراق، بل إنها كانت باديةً للعيان قبل ذلك، وعلى الأخصّ عند تفجُّر الحرب الجورجيَّة الروسيَّة، عندما لم يُسهم التحالف بين نظام الرئيس الجورجي ميخائيل شيكاشفيلي والولايات المتحدة وأوروبا في تدخُّل واشنطن لحماية نظامِه عندما قام الجيش الروسي بدكّ العاصمة تبليسي وحاول تصفية شيكاشفيلي شخصيًّا.

ومما يُفاقِم التأثير السلبي للانسحاب الأمريكي من العراق هو تواصل مظاهر الأزمة الاقتصاديَّة التي تعصفُ بالولايات المتحدة، فهناك مَن يرى أن هذه الأزمة ستؤثر سلبًا على قدرة الولايات المتحدة على معالجة التهديد النووي الإيراني.

ومن ناحية ثانية فإن هذه الأزمة ستضعفُ القوَّة السياسيَّة للوبي اليهودي في الولايات المتحدة، حيث تبيَّن أن عددًا كبيرًا من الأثرياء اليهود قد تضرَّروا بفعل هذه الأزمة، مما يعني المسّ بقدرتهم على التبرُّع للحزبين الديمقراطي والجمهوري، وبالتالي قد تتراجعُ قدرة هذا اللوبي على فرض إملاءاتِه على الساسة الأمريكيين.

ويتضحُ مما سبق أنه على الرغم من قبول واشنطن ولو الجزئي للرؤية الإسرائيليَّة للعالم بعد الانسحاب من العراق، فإنه سرعان ما سيتبيَّن أن إسرائيل هي الأكثر تضررًا من أي مظهر من مظاهر تراجع النفوذ الأمريكي.

المصدر: البشير للأخبار

About this publication