شاهدت لمرات عدة فلم (Crash) الأميركي الذي حاز على جائزة الأوسكار عام 2006 كأفضل فيلم سينمائي، وهو فلم لا امل من مشاهدته وادعو الجميع لاقتناء نسخة منه، فهو موجود على اقراص الديفيدي. في كل مرة أنتهي فيها من مشاهدة الفلم تراودني خيالات عن إمكانيات «تعريق» هذا الفلم الذي يتحدث عن صراع المكونات في المجتمع الأميركي، ومناطق الالتقاء والتقاطع في الهويات العرقية والثقافية للأميركيين، من خلال سبعة أبطال في سبع حكايات تسير بشكل متواز على مدى زمن الفلم وتتقاطع وتتداخل في مناطق معينة، مع الدور المحوري في القصة للتباين في الخلفيات العرقية والاجتماعية لكل واحد من هؤلاء الأبطال.
ينتهي الفلم الى خلاصة ان الصورة ليست وردية تماماً في المجتمع الأميركي، وان العدالة والمساواة والرفاهية والحريات العامة ليست امراً نزل من السماء على أميركا ثم انتهى الأمر، وإنما هو شيء يتم إحرازه يومياً من خلال صراع التصورات والآراء ووجهات النظر التي تساهم الخلفيات الثقافية المتنوعة للأميركيين في إنتاجها.
العدالة والمساواة والرفاهية والأمان الاجتماعي قصة ليس لها نهاية في أميركا ولا يمكن إقفالها وحسمها بشكل نهائي، تماماً مثل نهاية فلم Crash حيث تنتهي قصص الفلم السبع، ولكن الكاميرا تمر بشكل خاطف على حكاية جديدة بدأت للتو بين سائقة زنجية ورجل أميركي من أصل آسيوي يتعاركان وسط الشارع بعد حادث تصادم ليلي، في إشارة ذكية الى أن قصص الصدام والاحتكاك بين المكونات الأميركية أمر لا يمكن أن ينتهي.
الامر ينتهي دائماً في هذه الفلم او غيره من الافلام والقصص الى حقيقة هيمنة التصورات المسبقة تجاه الآخر المخالف والمختلف، ومساهمة هذه التصورات القبلية في تشويه العلاقة او سوء السلوك والتعامل، او احداث شروخ حادة وردود أفعال تصل الى حد الإجرام وإزهاق الأرواح. قلت انني افكر بإمكانيات «تعريق» هذا الفلم، وانا اقصد، إمكانيات النظر بهذه الصراحة، الى حقيقة التمايز بين المكونات العراقية، والى حقيقة التأثير البالغ للتصورات المسبقة لدى كل جماعة تجاه الجماعات الأخرى.
ما زال الخزان الخيالي والمعرفي والأسطوري الذي يغذي تصوراتنا تجاه الآخر مخفياً وسرياً، ولا يستطيع احد، الا في حدود نادرة، التجرؤ على كشفه.
مازالت التصورات القبلية المحبوكة في قصة كل جماعة عرقية ودينية عراقية عن نفسها وتمايزها عن الجماعات الأخرى، امراً خارج النقاش والمحاكمة النقدية، حفاظاً على «السلم» وتهدئة للخواطر، وكأن المشاكل التي نعايشها في وضعنا الحالي، هي مشاكل عابرة، تبعاً لأسباب وعوامل عابرة.
وما دمنا في سياق السينما، فانا انتظر، مثل غيري، صانع الافلام العراقي، ذلك الذي سيتجرأ ليواجه الشيعة والسنة والكرد والتركمان والكلدوآشوريين والصابئة والايزيديين وغيرهم باوهامهم تجاه بعضهم البعض، وتعرية التصورات القبلية المضادة لمنطق الحياة، والتي يراد دائماً حمايتها، حمايةً لسلم عابر وطمأنينة عابرة.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.