متى؟
نشوة جديدة وروح متيقظة دبت في الجسد المتهالك لليمين المتشدد الأميركي. فالنتائج الإيجابية التي حصدها هذا الفريق في الانتخابات البرلمانية الأخيرة هي عودة وعي (ولو مؤقتا) لهم. النتائج لم تكن انتصارا كاسحا كما كان يُروج له قبل الانتخابات، فالديمقراطيون احتفظوا بأغلبيتهم الضئيلة بمجلس الشيوخ المؤثر، وإن كان مجلس النواب ذهب للجمهوريين، وبشكل قوي وواضح. إلا أن الفرحة لم تكد تكتمل بهجتها حتى علت أصوات التشدد داخل الحزب بقيادة عصابة المحافظين الجدد القابعة وسط المرشحين، لترتفع أصوات المطالبين بالحرب على إيران وفورا، وأهمية «مواجهة» الصين ووضع «حد» لتفوقها المستمر، وكذلك المطالبة بضرورة إبطاء وتيرة التراجع والانسحاب من العراق وأفغانستان، يقود هذه التصريحات السيناتور الأميركي المخضرم ليندسي غراهام عضو لجنتي القوات المسلحة والأمن الوطني بمجلس الشيوخ، وهما لجنتان بالغتا التأثير والأهمية والفعالية.
الأصوات الموتورة والانفعالية لم تختف داخل السياسة الأميركية، ولكنها كانت في إجازة خجولة تحاول لملمة آثار الهزيمة التي منيت بها بعد انتخاب باراك أوباما كمرشح «مختلف» تماما في كل شيء عن النهج المحافظ والمتطرف الذي كانت تسير عليه إدارة جورج بوش الابن، بتوجيه من عصابة المحافظين الجدد الموتورة. بينما يدرك الأميركيون كناخبين أن همهم الأول اليوم هو الشأن الاقتصادي، وضرورة توفير فرص العمل، وتحسين المناخ الاستثماري، وإنقاذ الاقتصاد من تردي أوضاعه بشكل أكبر وأخطر، إلا أن أصوات التطرف «تصر» على خطف الأجندة الأميركية باتجاه العنف والمواجهة والتشدد.
أميركا اليوم بإدارة أوباما متهمة بأنها السبب في الكارثة الاقتصادية، وهذا كذب وافتراء وهراء أسهم في الترويج له ماكينة اليمين المتطرف الإعلامية المعروفة.
فالواقع والأرقام واضحة وتقول إن كلينتون سلم الرئيس بوش إدارة محبوبة حول العالم، ولديها فائض مالي في خزانتها، وفي خلال فترة بسيطة دمر بوش هذا الفائض ودخل في حروب لا داعي لها وبلا هدف دقيق، وأضاع أرتالا من الأموال بشكل مريب، وأدخل البلاد، ومن ثم العالم، في دوامة لا قاع لها من القروض والإفلاس المالي المصرفي التي لا تزال آثارها موجودة وستستغرق الكثير من الوقت حتى يتم التعافي الكامل والتام منها. التيار المتطرف في اليمين الأميركي شخصيات مريبة تقع بين الغريب والمضحك، ولكنها جميعا شديدة التأثير، وتجر خلفها قطيعا كالغنم الذاهبة للذبح دون وعي.
فاليوم «اليمين» يقع في قبضتي الإعلامي الشهير «روش لمباه» وهو صاحب الآراء المتطرفة والمتشددة، الذي يذيع برنامجا يوميا لمدة 3 ساعات، وعلى 650 إذاعة محلية، وينصت إليه 15 مليون مستمع يحيون ويحبون ويؤيدون آراءه مع تطرفها وغرابتها وبشاعتها وعدم لباقتها في الكثير من الأحيان، وبين «سارة بالين» حاكمة ولاية ألاسكا السابقة التي تروج لنفسها بأنها الضمير وحامية القيم الوطنية الأميركية، وهي جميعها معان غامضة ورمادية مطاطية وخالية من التفاصيل، ولكنها كافية لإلهاب حماس العامة التعبة الغاضبة المغلوب على أمرها والمهانة نتاج الأوضاع الاقتصادية السيئة، وخلف ذلك كله يستغل الوضع دعاة التطرف من أكاديميين ومؤسسات عملاقة ترعاها كلها مجموعات مؤدلجة تقودها عصابة المحافظين الجدد الذين لم يتعظوا ولا يزالون يروجون لنفس الأفكار ولكن بتغيير للأبطال، فاليوم البطل لم يعد أفغانستان والعراق، ولكنه صار إيران واليمن والسودان، هؤلاء هم محور الشر الجديد (غير المعلن)، إسرائيل تذكي كل ذلك بخبث غير بسيط، وتواجدهم الهائل في جنوب السودان اليوم ونجاح اللوبي الإسرائيلي القوي بواشنطن في إقناع كبار أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بزيارة الجنوب السوداني أكثر من مرة، وعلى رأسهم المخضرم جون كيري، هو إنجاز غير بسيط، ولكنه كله يسير باتجاه فكر المحافظين الجدد الخبيث.
أميركا تنادي بتحرر العالم وخلاصه من العبودية. متى تتخلص هي من المحافظين الجدد؟
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.