American Espionage against Norway … a Tempest in a Teacup!

<--

التجسس الأميركي على النرويج … زوبعة في فنجان!

النرويج كانت من أهم ساحات التجسس بين الشرق والغرب خلال العقود الماضية

أثيرت في الآونة الأخيرة في وسائل الإعلام النرويجية قصة جديدة- قديمة تتعلق بقيام الولايات المتحدة بتفعيل نشاطات استخبارية في النرويج من خلال متابعة واستهداف ومراقبة الكثير من الناشطين السياسيين والمثقفين والمنتقدين للسياسة الأميركية في ما يتعلق بموضوعة الحرب على الإرهاب , خصوصا وأن ذلك النشاط الاستخباري الخاص الذي تقوم به “إدارة تحليل الأزمات الأمنية للولايات المتحدة” كان قد تم بالاستعانة بخدمات عدد من رجال البوليس والمخابرات النرويجيين السابقين ! كما أنه كان ينطلق من شقة مجاورة للسفارة الأميركية القديمة ومواجهة كذلك للقصر الملكي في قلب العاصمة أوسلو , وقد أعلنت القناة الثانية في التلفزيون النرويجي عن ذلك الموضوع الذي أثار ضجة سياسية بعد أن أكد وزير العدل المسؤول الأول عن نشاطات المؤسسات الأمنية والاستخبارية والبوليسية في النرويج بأنه لايعلم بأي نشاطات تجسسية قد يكون اشترك فيها عدد من منتسبي الأجهزة الأمنية النرويجية ضد مواطنين نرويجيين! والحقيقة المعروفة هي أن النرويج واحدة من أقرب حلفاء الولايات المتحدة على المستوى الرسمي منذ عام 1945 وتحرير النرويج من الاحتلال النازي , فالولايات المتحدة تضم عدداً هائلاً من المواطنين من ذوي الأصول النرويجية يبلغ عددهم نحو خمسة ملايين أميركي هاجروا في بدايات القرن الماضي وأسسوا هناك لوبياً نرويجياً قوياً له حضوره الفاعل كما أن كبار المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال النرويجية يعتبرون الولايات المتحدة فردوسهم الاستثماري , والنرويج بأسرها كانت الجناح الشمالي المهم لحلف “الناتو” في مرحلة الحرب الباردة فحدودها الشمالية الواسعة جدا مع الاتحاد السوفياتي السابق وروسيا الحالية تجعلها في وضع تعبوي مهم للغاية بالنسبة للسياسة والستراتيجية الأميركية , ورغم أن الحكومات التي حكمت النرويج منذ نهاية الحرب العالمية الثانية كانت في غالبيتها ذات توجهات يسارية ديمقراطية لحزب العمال النرويجي الحاكم حاليا في حكومة ائتلافية مع الأحزاب الاشتراكية والوسط إلا أن للعلاقات مع الولايات المتحدة أهمية تتفوق على كل الخلافات في وجهات النظر , النرويج كانت من أهم ساحات التجسس خلال العقود الماضية بين الشرق والغرب , كما أن للقواعد العسكرية الأميركية المتواجدة في الغرب والشمال أهمية تعبوية كبرى , ومعروفة حكايات وروايات التجسس الشهيرة والتي كان بطلها قبل سنوات النرويجي آرنه تريهولت الذي عمل جاسوسا لصالح الاتحاد السوفياتي والعراق! والذي ما زالت قضيته متفاعلة إعلاميا حتى اليوم! , النرويج كدولة ومؤسسات لها علاقات أمنية وستراتيجية خاصة جدا مع الولايات المتحدة وكذلك مع إسرائيل , فهي باعتبارها الذراع الشمالي ل¯ “ناتو” فإن عليها التزامات وواجبات أمنية معروفة , كما أن دورها الستراتيجي في صناعة السلاح وخصوصا أنظمة الدفع الصاروخي ونظام الصواريخ يعطيها أهمية قصوى في المجال الأمني والستراتيجي إضافة إلى دورها التاريخي المعروف في قيام المشروع النووي الإسرائيلي من خلال تزويد إسرائيل بالماء الثقيل النرويجي اللازم لصناعة القنبلة النووية! في أواخر خمسينات القرن الماضي , صحيح أن النرويج لها سياستها الدولية المستقلة والتي تحاول أن تكون الى جانب قضايا العالم الثالث ولصالح صنع السلام العالمي سواء في قضية الشرق الأوسط التي دخلتها بشكل متأخر في أوائل تسعينات القرن الماضي من خلال اتفاقيات أوسلو المعروفة عام 1993 والتي تواجه عثرات ثقيلة ولكن نتائجها قد رسمت متغيرات كبيرة في الشرق الأوسط أو من خلال سياسات الوساطة السلمية النرويجية في النزاعات الساخنة مثل الصراع العرقي السيريلانكي أو في بعض الملفات الإفريقية الأخرى إلا أن ثقلها الكبير في إطار منظمة الأمم المتحدة يظل فاعلا باعتبارها من كبار الدول المانحة للمساعدات للعالم الثالث , ومع ذلك رغم اي متغيرات راديكالية قد تكون طارئة في السياسة النرويجية إلا أن تحالفها الستراتيجي مع الولايات المتحدة هو مسألة أمن وطني فائقة الأهمية , فجهاز المخابرات النرويجي المحدود الصلاحيات و المكبل برقابة برلمانية صارمة له تنسيقه الحيوي مع الأجهزة الاستخبارية الأميركية والغربية و الإسرائيلية كما أن زيادة الدور الإقليمي والدولي للسياسة النرويجية قد فرض على هذا الجهاز وكذلك جهاز المخابرات العسكرية توسيع نشاطاته وقواعد بياناته خصوصا و إن للنرويج حضوراً عسكرياً وقتالياً مهماً ضمن قوات “الإيساف” و “الناتو” في أفغانستان , كما أن في النرويج تعمل منظمات سياسية إسلامية وأصولية لها خططها وبرامجها المتناقضة مع المصالح النرويجية في العالم الإسلامي خصوصا , ومسألة التركيز الإعلامي على نشاطات استخبارية أميركية تراقب النرويجيين و المقيمين في النرويج هي في النهاية تحصيل حاصل , فللمؤسسات الأمنية و الاستخبارية أدوات عملها و منظوماتها الخاصة في التحرك ومشاركة عناصر من ألأمن النرويجي في الجهد الاستخباري الأميركي هي من ضمن موجبات التحالف الستراتيجي , فالقضية تم تضخيمها إعلاميا ولكنها سرعان ما ستنطفئ , لأن القضية أكبر من كل المعلن , فللملفات السرية حضورها ووجودها وإن كانت التصريحات الرسمية تغاير الواقع. النرويج جزء مهم وفاعل من التحالف الأطلسي , وحكاية التجسس الأميركي ليست سوى زوبعة في فنجان.

كاتب عراقي

dawoodalbasri@hotmail.com

About this publication