روسيا هي أكثر المروجين لسيناريو الحرب القادمة في الشرق الأوسط، وتحديدًا بين إسرائيل وإيران، روسيا ألغت في 22 سبتمبر الماضي صفقة توريد صواريخ «أس – 300» لإيران، تطبيقًا لقرار مجلس الأمن رقم 1929 في 9 يونيو 2010، التي ستحضر (ربما للمرة الأولي) قمة حلف شمال الأطلسي في لشبونة 19 و20 نوفمبر القادم.
الرئيس الإيراني أحمدي نجاد أكد أن روسيا اتخذت قرارها تحت ضغوط أمريكية، وقال حرفيا لقناة التليفزيون الرسمي الإيراني: روسيا «باعتنا لأعدائنا» بتخليها عن العقد من جانب واحد، بعد أن وسوس لها الشيطان وتخلت عن تعاقداتنا الدولية في مجال الدفاع، و(الشيطان والروس) توهموا أن ذلك سيمثل ضربة إلي الأمة الإيرانية؟
فيليب جوردون مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشئون أوروبا وآسيا صرح بأن امتناع روسيا عن توريد صواريخ «أس – 300» إلي طهران ليس هدية لواشنطون، وإنما يصب في مصلحة موسكو نفسها، فضلاً عن أن روسيا ستستفيد أكثر من عقد اتفاقية الحد من الأسلحة الاستراتيجية الهجومية، ومن كونها (ترانزيت) الحرب في أفغانستان، إذ إن نقل شحنات الأسلحة لقوات التحالف مر عبر أراضي وأجواء روسيا.
«المخارج المحتملة من مأزق الشرق الأوسط»، كان عنوان ورقة العمل الرئيسية للندوة الدولية التي أقيمت في معهد العلاقات الدولية بموسكو قبل شهر تقريبًا، وشارك فيها أبرز الخبراء الروس في قضايا المنطقة، في مقدمتهم (فيتالي ناعومكين) مدير معهد الاستشراق الروسي، و«يفجيني ساتانوفسكي» مدير معهد بحوث إسرائيل والشرق الأوسط، الذي أكد: أن التهديد الحقيقي في المنطقة مصدره الأساسي (إيران) التي ستنشب الحرب بينها وبين إسرائيل قريبًا.
ويبدو أنه لا حديث في مراكز الأبحاث والدراسات وبيوت التفكير في العالم، خارج «الاحتمالات والتوقعات والبدائل» لهذه الحرب القادمة، قبل وأثناء وبعد انتخاب التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي، فقد كتب جورج فريدمان الباحث في مركز الأبحاث الاستراتيجية «ستراتفور» ما يلي: «إذا ما شن أوباما الحرب علي إيران، فهو سيدمرها عسكريا، ويسهل انسحابه من العراق، ويهدئ من روع السعوديين، ويظهر للأوروبيين مدي قدرة أمريكا وإرادتها، ويدفع روسيا والصين في إمعان التفكير، إن المأزق الداخلي يجعل أوباما في حاجة إلي أن يبدو قائدًا أعلي فعالاً، وإيران هي هدف منطقي لتحقيق ذلك».
مصير التجديد للرئيس أوباما في العام 2012، يحتاج إلي معجزتين: الأولي (داخلية) حتي يخرج من الأزمة الاقتصادية بأسرع مما يمكن، ذلك لأنه خارج الاقتصاد والأوضاع الداخلية الأمريكية، يصبح الكلام عن هذه الانتخابات ونتائجها، مجرد (فانتازيا)، لأن نسبة البطالة لم تتحرك عن 9.6%، مما يؤكد عدم تعافي الاقتصاد منذ الأزمة المالية العالمية.
المعجزة الثانية (خارجية) وهي نجاحه في أربعة ملفات دفعة واحدة: العراق وأفغانستان والمفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين والملف النووي الإيراني، والملفان الثالث والرابع هما الأهم الآن خاصة بعد نجاح الجمهوريين، وهنا قد يلجأ أوباما إلي (كلفتة) الحقوق الفلسطينية، وقد أظهر تراجعا مبكرا عن مواقفه المعلنة من الاستيطان الإسرائيلي، كما لم يستنكر إعلان نتانياهو (يهودية الدولة الإسرائيلية)، ومن المتوقع أن يزايد في مساندته لإسرائيل وربما يطلب من الفلسطينيين الاعتراف بيهودية الدولة نظير حصولهم علي المساعدات الأمريكية.
أضف إلي ذلك أن أوباما سوف يستخدم كل الأسلحة (ولا مكرمة في الحرب، كما يقول الفرنسيون) لإعادة انتخابه لولاية ثانية، وسيلجأ إلي مغازلة اللوبي اليهودي بكل السبل طمعا في تأييده له ماديًا وإعلاميًا وسياسيًا، مقابل شن الحرب علي إيران أو السماح لإسرائيل بذلك. أحدث تقرير صادر عن مؤسسة كارينجي للسلام العالمي، قبل أيام، بعنوان «إيران.. رؤية من موسكو» للباحثين المخضرمين ديمتري ترنين والكسي مالاشينكو، يخلص إلي: أن بروز إيران كقوة صاعدة، سيزيد من توتر العلاقات مع روسيا، التي يفترض كثير من المراقبين من خارج البلدين، أن العلاقات الاقتصادية والعسكرية بينهما (وثيقة)، بينما هذه العلاقات معقدة للغاية، موسكو تشعر بالقلق المتزايد من طموحات إيران النووية في المنطقة، التي تتجاوز بحر قزوين والقوقاز ووسط آسيا… روسيا في النهاية: لا تريد منافسا إقليميا لها في المنطقة!
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.