نصر شمالي- سوريا
صعود المجمع الصناعي الحربي الامريكي
حاليا 3.67 من 512345
تقييم : 3.7 من 5
2010-11-20
بلغت نفقات البحوث الحربية الدولية, في السبعينيات الماضية, حدود 336 مليارا من الدولارات. وبدهي ان الحديث عن بحوث حربية دولية يتعلق حصرا بعدد قليل جدا من الدول الرأسمالية الثرية التي تعتبر نفسها هي المجتمع الدولي, وفي مقدمتها الولايات المتحدة المتميزة والطاغية. كذلك فان الحديث عن نفقات البحوث الحربية لا علاقة له, بالطبع, بالنفقات الفلكية للانتاج الحربي والتجارة الحربية.
لقد ارتفعت نفقات البحوث الحربية ارتفاعا جنونيا منذ عهد الرئيس الامريكي رونالد ريغان, صاحب مشروع حرب النجوم. علما انها كانت قبل عهده اكبر بثمانية اضعاف من حجم الانفاق على بحوث تطوير الطاقة للاغراض السلمية مثلا. ان الانفاق على البحوث الحربية, الذي بلغ 30 مليارا سنويا قبل عهد ريغان, يكشف دائما عن ضآلة وهزال الانفاقات الاخرى على البحوث الاخرى غير الحربية.
وبما ان الشركات الصناعية والتجارية هي التي ترسم السياسات لحكومات البلدان الرأسمالية, وهي التي تدير العمليات الانتخابية الديمقراطية في هذه البلدان, فقد كان دور المجمع الحربي الصناعي, بفضل قوته, رئيسيا في رسم السياسات وفي ادارة عمليات الانتخابات. وبلغ هذا الدور ذروته بإيصال عصابة المحافظين الجدد الحربية الى قمة السلطة في الولايات المتحدة. وقد رأينا كيف انها ما ان وضعت اقدامها في البيت الابيض حتى انطلقت توسع دائرة الحروب في العالم وتطورها كما ونوعا.
غير ان الاستراتيجية الحربية لعصابة المحافظين الجدد سرعان ما مُنيت باخفاقات كبيرة في جبهات القتال, خصوصا في العراق, الامر الذي عمق من ازمة النظام الرأسمالي الدولي العامة, وفجّرها في اكثر من ميدان عام, ان هو حقق ارباحا فاحشة, خرافية, خاصة, لبعض الشركات والشركاء. وهكذا كان لا بد من عودة الى الهيئة العامة للشركات عموما, ليترتب على ذلك انكفاء سياسي مؤقت للمجمع الصناعي الحربي الامريكي, فكان انتخاب الرئيس باراك أوباما كمرشح للشركات المالية التي مُنيت بهزائم ساحقة.
لقد ضمت ادارة الرئيس أوباما ممثلي الشركات المالية الاساسية التي دعمت ترشحه وموّلت حملته الانتخابية. وسرعان ما خرجت هذه الشركات من الازمة الكبرى, التي ضعضعت اركان المجتمع الامريكي, سالمة غانمة, كأنما هي لم تكن وراء الازمة ولا طرفا فيها! لقد أمّنت لها ادارة أوباما عملية انقاذ هائلة, ومكنتها من العودة اقوى من ذي قبل وان هي أسّست بذلك لازمة مقبلة اكبر كما يقول ناعم تشومسكي.
ومن جهة اخرى نجحت ادارة باراك أوباما في تمكين المجمع الحربي الصناعي من تجاوز الكثير من العقد السياسية والأخلاقية التي نجمت عن انتكاسة هجمته الحربية الدولية, وفي طيّ هذه الصفحة الشنيعة وتجاوزها الى اوضاع تبدو كأنما هي مستجدة تماما, حتى ليبدو كأنما عهد المحافظين الجدد يعود الى ماض سحيق! اي ان المجمع استطاع بفضل ادارة أوباما استرداد انفاسه واعادة ترتيب صفوفه وشؤونه. وبالفعل ها هو يعود ليطل على العالم صاعدا عبر الانتخابات النيابية, بريئا من كل سوء, مستردا مواقعه عبر حفلات الشاي والقهوة وبقية الخزعبلات التي تقاد بوساطتها مجتمعات مخبّلة!
ان رأس المال في المجتمعات الديمقراطية الحرّة (كما تسمى) هو الذي يصادق على تسمية المرشحين في الانتخابات قبل ان تنطلق عمليات الانتخاب. امّا ما يحدث بعد ذلك, وهو اعتقاد الناخب الواهم انه يختار ممثليه في مجلسي الشيوخ والنواب, فليس إلا اختيارا لاشخاص فرضوا عليه سلفا من قبل الشركات. ان المنافسة تقتصر على حصص الشركات من المرشحين الفائزين. اي ان العملية الديمقراطية تقتصر على الشركات التي يسعى كل منها لإنجاح مرشحيه. ان الرابح في الانتخابات هو شركات رأسمالية وان الخاسر فيها هو شركات رأسمالية ايضا. غير ان الربح لا يعني الهيمنة المطلقة ونفي الخاسر, والهزيمة لا تعني الانسحاب المطلق والتسليم كليا للرابح. ان الشركات الرأسمالية اطراف في جسم واحد, لا غنى لاحدها عن الآخر في جميع الاحوال, وهي تمارس تداول السلطة على هذا الاساس, بصفتها جسما واحدا وحزبا واحدا في الاساس: ديمقراطي وجمهوري في الولايات المتحدة, مثلما هو عمال ومحافظون في المملكة المتحدة!
لقد تجاوز المجمع الصناعي الحربي الامريكي كبوته, او مأزقه, بفضل ادارة أوباما الديمقراطية. وها هم الجمهوريون يستردون عبر الانتخابات النيابية زمام المبادرة, ويباشرون صعودهم مرة اخرى في ظل هذا النظام الاحتكاري الذي يؤمن لهم عوامل النجاة واسباب البقاء. ان اختلافات الاحتكاريين وتناقضاتهم وصراعاتهم لا يمكن ان تتجاوز حدا معينا لا ينال من ترابطهم او وحدتهم. ان خلافاتهم تحدث داخل النظام, لا خارجه, ولا على حسابه. ولسوف تستمر الحال كذلك ما بقي هذا النظام, وما بقوا في داخله!.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.