WikiLeaks … I Have the Right to Doubt

<--

بعد ترقب وتخوف وانتظار وقلق، جاءت الدفعة الجديدة من تسريبات موقع «ويكيليكس» لتكشف المزيد من خفايا ودهاليز السياسة الأميركية وعلاقتها مع دول العالم، وجاءت لتضيف الكثير عن طبيعة العلاقة الأميركية بالحلفاء والأعداء على حد سواء. ورغم ما قيل قبل نشر الوثائق الأخيرة عن تخوف أميركي من هذه التسريبات الجديدة، وكيف أن واشنطن أبلغت الحلفاء قبل النشر الأخير ووضعتهم في صورة بعض ما يتوقع نشره، فإن الوثائق الجديدة رغم ما فيها من مادة إعلامية دسمة، تجعل المراقب في النهاية يضع أكثر من علامة استفهام حول مضمون الآلاف من هذه الوثائق. الملاحظ أن الوثائق التي نشرها «ويكيليكس» سواء تلك التي كانت تتعلق بأفغانستان أو تلك التي تتعلق بالعراق أو حتى الوثائق الأخيرة، لا تتضمن بأي حال من الأحوال أية إدانة حقيقية للولايات المتحدة الأميركية، ففيما يتعلق بأفغانستان، كشفت الوثائق جانبا من الغطرسة والعنجهية والسادية التي مارسها الجنود الأميركيون ضد المدنيين الأفغان، وكذا الحال بالنسبة للعراق، فلقد وزعت هذه الوثائق التهم بالتساوي على كل أطراف الجوار الإقليمي مع زيادة هنا وقلة هناك، وغابت عن تلك الوثائق أو غُيِّبَت حقيقة الدور الأميركي في العراق. فالوثائق العراقية حولت القضية من احتلال غير شرعي للعراق إلى تصرفات مارسها أفراد الجيش الأميركي هنا أو هناك، بعد أن وزعت الاتهامات على قوى سياسية عراقية بأنها لعبت دورا كبيرا في أعمال العنف وكذا الحال بالنسبة لإيران والميليشيات والقاعدة. وفي الوثائق الأخيرة، غابت أيضاً أميركا، كل ما نشر من وثائق لا يعدو عن كونه إدانات لهذا الطرف أو ذاك، فلا إدانة واضحة لأميركا ولا وجود لوثيقة يمكن أن تكون دليلا على سوء إدارة الولايات المتحدة الأميركية للملفات الشائكة التي تمسك بخيوطها في شتى أرجاء العالم. ماذا يعني أن يكشف لنا «ويكيليكس» عن آراء الدبلوماسيين الأميركيين في هذا الحاكم أو ذاك؟ وماذا يعني أن تكشف الوثائق عن طلب واشنطن من دبلوماسييها التجسس حتى لو كان على الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون؟ كل هذا في رأيي معروف، فالولايات المتحدة الأميركية هي من علَّمت أنظمة الحكم لدينا كيفية تحويل السفارة إلى وكر للتجسس. ليس أميركا وحدها التي كانت غائبة إلى حد كبير عن الإدانة في «ويكيليكس» وإنما فوجئنا أن إسرائيل أيضاً غابت عن هذه الوثيقة، فلم نجد وثيقة واحدة تتحدث عن الدور الإجرامي لتل أبيب في حربها على غزة، ولم نجد وثيقة واحدة تشير إلى التورط الأميركي في دعم إسرائيل بجرائمها ضد الفلسطينيين، ولم نجد وثيقة واحدة تفضح جانبا من المفاوضات التي ترعاها الولايات المتحدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، سواء التي كانت أو التي ما زالت معلقة حتى الآن، فهل غابت هذه الوثائق أم إنها غُيِّبَت؟ والسؤال أيضا، إذا كانت غابت فلماذا؟ هل إنها على درجة من السرية بحيث لم يتمكن العاملون في «ويكيليكس» من الوصول إليها؟ وإذا كانت غيبت فمن الذي غيبها، ويكيليكس وموظفوه أم أطراف أخرى؟ الأكيد أن نيران الوثائق الأخيرة التي نشرها ويكيليكس، أصابت الجميع، كل بحسب وضعه ودوره، إلا أنها لم تُصب واشنطن سوى ببعض الشظايا التي يمكن القول إنها سرعان ما تفقد أثرها، بينما وجدت تل أبيب في تلك الوثائق فرصتها لتؤكد على نظافة سجلها أولا، ولتبدأ بتقديم النصح والإرشاد لزعماء العالم العربي، فهذا نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي يقول إن الوثائق يجب أن تعلِّم الزعماء العرب التحدث بصراحة مع شعوبهم. نعم يجب أن نشكك في «ويكيليكس» ليس في الوثائق، وإنما في الدوافع، خاصة أننا كنا ننتظر أن تكون الوجبة الجديدة من الوثائق التي وصلت إلى نحو ربع مليون وثيقة سرية، مليئة بفضائح واشنطن وتل أبيب، غير أن واقع الحال كشف غير ذلك. الأكيد أن هذه الوثائق حقيقية، ولا أعتقد أن هناك من يشكك في صدقيتها، ولكن الأكيد أيضا أن هناك من يحجب وينشر من هذه الوثائق ما أراد أو ما يريد المتحكمون فيه.

About this publication