When Diplomacy Changes

<--

في تبريره لنشر الوثائق السرية للخارجية الأمريكية قال جوليان أسانج صاحب موقع ويكيليكس إن الدبلوماسية الأكثر شفافية وعلانية هي الطريق الأفضل للسلام العالمي.

متهما الدبلوماسيين الأمريكيين بالفساد والنفاق والغرور‏.‏ أسانج قد يكون محقا في بعض اتهاماته‏.‏ فالتنصت علي الأمم المتحدة والتقاط معلومات شخصية عن القادة والرؤساء هو من صميم عمل الجواسيس وليس الدبلوماسيين‏.‏ لكنه جانبه الصواب في فهمه للعمل الدبلوماسي الذي تعتبر السرية جزءا أصيلا فيه لتحقيق الأهداف المرجوة‏.‏ فمثلا لم يكن من الممكن أن يحقق المستشار الراحل كول هدف الوحدة الألمانية لو أن المفاوضين كانوا يجرون حوارا علنيا بشأنه مع الروس والأمريكيين والأوروبيين‏.‏ ولم يكن بإمكان الرئيس الراحل السادات ابرام اتفاق السلام مع إسرائيل لو أن التفاوض علي شروطه يجري عبر الأبواق الإعلامية العربية‏.‏

من هذا المنطلق تكون التسريبات قد أضرت بالعمل الدبلوماسي لأن الدبلوماسيين في كل أنحاء العالم سيكونون أكثر تحفظا في التعبير عن آرائهم‏,‏ وأقل صراحة وقدرة علي الاعتماد علي مصادر موثوق بها وراغبة في الإدلاء بمعلومات قد تكون مهمة للاستخدام كوسائل للضغط أو الإقناع لإبرام التسويات في عالم تتعدد أطرافه وتعقيداته‏.‏

لكن هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية أيضا تبالغ في تحذيراتها من الضرر الذي لحق بالأمن القومي‏.‏ فالوثائق مهمة لضخامتها لكنها لم تكشف عن معلومات مدمرة ـ باستثناء الآراء المحرجة عن بعض الشخصيات الحاضرة وموقف الصين من كوريا الشمالية ـ بدليل أنها كانت متاحة لنحو مليوني شخص قبل أن ينشرها ويكيليكس‏.‏ وهي خضعت لجهد يستحق الثناء من الصحافة التقليدية التي غربلت الوثائق ووضعتها في سياق منطقي مفيد‏.‏

المهم أن يدرك الجميع أن المارد قد خرج من القمقم‏,‏ وأنه لا يمكن ترويض التكنولوجيا التي أتاحت وضع ربع مليون وثيقة في أسطوانة مدمجة‏,‏ وأن اعتقال أسانج ومحاكمته لن يحول دون ظهور كثيرين غيره ولن يثني المواطن عن ممارسة الصحافة ومحاولة اختراق الحواجز‏,‏ وأن الصحافة الورقية التقليدية لم ينته دورها لكنها لا تملك ترف الوقوف خلف المواقع الالكترونية التي تريد أن يكون لها موقع علي ساحة صناعة القرار العالمي‏.‏

العمل الدبلوماسي سيظل حاسما وإن كان يلعق جراحه الآن‏,‏ لكنه عليه أيضا أن يدرك أن مظلة السرية التامة لم تعد ممكنة وأنه عليه العمل تحت الضوء الخافت لأن قواعد اللعبة تغيرت‏.‏

About this publication