Changes in the Global Economy Transform the Political System

<--

تبدلات في الاقتصاد العالمي تغير النظام الدولي

نيروز غانم ساتيك

عند اندلاع الأزمة المالية العالمية في أيلول 2008، دخلت الدول في حروب داخلية مع تعقيدات الإجراءات الاقتصادية والمالية للحد من تبعاتها السلبية، في محاولة منها لإيقاف تفاقم الأزمة أولاً، والحد من آثارها المدمرة على اقتصادياتها ثانياً. استطاع بعضها تقليص آثارها السلبية بشكل كبير, بينما بالكاد يستطيع البعض الآخر الخروج منها. بيد أن جميع الدول ذات الاقتصاديات الكبرى وقعت في أتون حرب عالمية اصطلح على تسميتها “حرب العملات”.

حرب العملات تعني أن يسعى كلّ بلد إلى خفض سعر صرف عملته لكي تكون السلع التي ينتجها أرخص في الأسواق الخارجيّة، وبالتالي أكثر تنافسيّة. وهكذا، يدعم البلد المعني صادراته ويحفّز اقتصاده ويخلق الوظائف. وهذا يعني أنّ إفادة بلد ما تُترجم خسارة بلد آخر, لأن كسب طرف معين لسوق ما يعني خسارة الطرف الأخر لها. مما يشعل معارك تجاريّة على أكثر من جبهة، أبرزها وأخطرها بين الولايات المتّحدة والصين, ذلك لأنها بين أكبر مستهلك في العالم “الولايات المتحدة” وأكبر مصدر في العالم “الصين”. وتدعم هذا التحول الكبير أرقام النمو المذهلة التي تحققها دول الجزء الشرقي من العالم، وفي مقدمتها «العملاقان الزاحفان» الصين والهند, على حين ما زالت الخطط الأوروبية والأمريكية متعثرة في بلورة خطط اقتصادية جدية تحرك اقتصادياتها المتعثرة.

تدرك الولايات المتحدة مدى خطورة الصين على قيادتها للنظام الدولي, إذ تعتبرها ومنذ سقوط الاتحاد السوفييتي العدو المستقبلي لها, ولأن السياسة الأمريكية تقوم دائماً على خلق التوازنات في العالم, تعمل الولايات المتحدة حالياً على أن تكون الهند الثقل الموازن للصين في آسيا, من أجل مواجهة صعودها السريع في النظام الدولي.

من هنا نستطيع أن نفهم الزيارة التي قام بها أوباما إلى الهند والدعم المعنوي الكبير الذي قدمه لها في الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي, وتأكيده بأن «الهند ليست مجرد قوة ناشئة.. لقد باتت قوة عالمية».

من جهة أخرى, فقد جرى في الأوائل من هذا الشهر نقل ٦ في المئة من حقوق التصويت في صندوق النقد الدولي من الدول «المتقدمة» إلى الدول «ذات الاقتصاديات الناشئة» مثل الصين والهند والبرازيل. في ظل هذه التعديلات، باتت الصين تحتل المركز الثالث في قوة التصويت بعد الولايات المتحدة واليابان، متخطية ألمانيا وفرنسا وبريطانيا. وشهدت القائمة وصول الهند إلى المرتبة الثامنة، تليها روسيا ثم البرازيل، ودخلت تركيا للمرة الأولى في المرتبة الـ٢٠.

إن هذه الإصلاحات هي تعديل للنظام الاقتصادي العالمي الذي نشأ عند تأسيس صندوق النقد الدولي في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ما دفع المدير العام للصندوق دومينيك ستروس إلى وصف الاتفاق بـ «التاريخي». وقال: «هذا أكبر إصلاح على الإطلاق في إدارة المؤسسة».

يرجح أن يشمل هذا التطور البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية, وهي المؤسسات التي تقوم بتشكيل اللعبة الاقتصادية على صعيد العالم.

كما تتزايد الدعوات للصين لأن تحد من اعتمادها على احتياطيات النقد الأجنبي, وتتوسع بدلاً من ذلك في استخدام عملتها اليوان منعاً لأخطار نابعة من تقلب أسعار صرف عملات الاحتياطي الدولية مثل الدولار واليورو. فالصين التي لديها أكبر احتياطي عالمي من العملات الأجنبية يقارب 2.5 تريليون دولار تخشى من أن يضر تراجع العملة الأميركية بمخزون البلاد الضخم من النقد الأجنبي حيث إن معظمه مقوم بالدولار, وأن يخفض قيمة الديون الصينية على الولايات المتحدة التي تفوق 700 مليار دولار.

تغيرات اقتصادية جوهرية متعددة يشهدها العالم تؤسس لملامح نظام اقتصادي عالمي جديد, والذي سيفرز بالضرورة نظام دولي جديد. فالأزمة الاقتصادية عام 1929 أدت إلى انهيار التعددية القطبية وقيام الحرب العالمية الثانية. واتفاق الغرب على نظام بريتون وودز, ورفض الاتحاد السوفييتي الانضمام له, وضع العالم أمام نظام دولي ثنائي القطبية. وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي وظهور التكتلات الاقتصادية – الاتحاد الأوروبي – المربوطة سياسياً وأمنياً بالولايات المتحدة واستمرار سيطرة الولايات المتحدة على المنظمات الاقتصادية الدولية, برزت الولايات المتحدة كقطب وحيد في النظام الدولي.

أما اليوم وقد حلت مجموعة G 20 محل مجموعة الثماني الكبار, والدور المتنامي للأسيويين في الاقتصاد العالمي, إضافة إلى حرب العملات, والتعثر الغربي في مواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية. كل ذلك يمهد لقيام نظام اقتصادي جديد سيتماهى معه النظام الدولي كما يتماشى مع تطوراته الآن.

Satikn84@gmail.com

About this publication