وثائق «ويكيليكس» المغشوشة! * حسين الرواشدة
هل يمكن ان تصدّق بان امريكا ليست وراء تسريبات “ويكيليكس”؟
الجواب ، بالطبع ، لا ، والاسباب كثيرة اما المنطق فلا يتعلق اطلاقا “بنظرية” المؤامرة ، وانما بنظرية “اللعبة” السياسية هذه التي تحكم العالم كله اليوم.
يمكن ان نتساءل فقط: من هو المستفيد من تسريب هذه الوثائق؟ ولماذا تم اختيار هذا التوقيت؟ وهل يمكن ان تعجز امريكا البلد الاول في التجسس عن معرفة مصدر التسريب؟ او ان تلقي القبض على صاحب موقع “ويكيليكس” ؟ ثم ما قيمة الوثائق التي سربت؟ ولماذا استثنت “اسرائيل” منها؟ وهل اضرّت حقيقة بالمصالح الامريكية؟ ام انها قدمت لها ما تحتاجه من خدمات؟ ولماذا ايضا استهدفت -في معظمها – منطقتنا العربية والاسلامية؟ ولم تتطرق للدول الاخرى الا في سياق اطلاق” النكت الشخصية على بعض قادتها.. هل استهداف ايران وتركيا مثلا مجرد صدفة؟ هل توجيه تهمة التسريب لجندي يعمل في العراق وكأنه يملك كل هذه الاسرار التي تمتد من وزارة الدفاع الى الخارجية وتشمل مئات الآلاف من الوثائق يمكن تصديقها؟ هكذا بدون ادنى شك؟
تبدو الاجابة عن مثل هذه التساؤلات وغيرها مفهومة ومعروفة سلفا ، فهذا نائب رئيس الوزراء التركي -مثلا – يؤكد بان التسريب “مؤامرة” وبان استثناء “اسرائيل” من اي ذكر فيها يثير الريبة.. وهذا مندوب باكستان في الامم المتحدة يشير الى ذات “التهمة” وهذا الرئيس الايراني يصفها “بأنها غير ذات قيمة ولن تؤدي الى اي عداء بين ايران والعرب”.
قد يقال بان هذه الدول تدافع عن مواقفها او عن مصالحها ، وتحاول ان ترد “الصفعة” لأمريكا التي تعمدت اخراج الوثائق وتسريبها لخدمة “اجنداتها” القادمة خاصة تلك التي تتعلق بضرب ايران او احراج الدول العربية او دق الاسافين بين شعوب هذه المنطقة.. هذا صحيح بالطبع ، لكن السؤال يتعلق “بالجديد” والمفاجئ في هذه التسريبات وهو هنا غير موجود الا في اطار “تثبيت” الانطباعات ما يعني ان اننا امام حادثة لا تختلف كثيرا عن حادثة 11″ سبتمبر” : هذه التي غيرت وجه العالم ونصبت امريكا حاكما متفردا على الأمن العالمي وانتهت الى تدمير افغانستان والعراق.
هنا -بالضبط – يمكن ان نضع “اصبعنا” على الهدف من “التسريبات” وخاصة ما يتعلق منها “بضرب” ايران واقحام الدول العربية في هذه المهمة التي اشارت اليها وزيرة الخارجية الامريكية: حيث تحدثت اكثر من مرة عن “ايران كعدو للمنطقة وللعالم لا لامريكا فقط” وعن “رغبة العالم كله في معاقبة ايران” وكأن تسريب هذه الوثائق يعطي “الشرعية” الدولية لواشنطن كي تتولى “معاقبة” ايران بالنيابة عن الاخرين الذين لا يستطيعون القيام بهذه المهمة.
باختصار ، مهما تكن “قيمة” المعلومات التي جرى تسريبها ومهما يكن حجم المرارة التي تشعر بها تًجاه ما ولدته هذه الوثائق من جراحات وكشوفات لطبيعة العلاقات الدبلوماسية ومنطق التفكير الامريكي ومهما يكن -ايضا – حجم الدروس التي يمكن الاستفادة منها… فاننا امام “لعبة” مكشوفة يجري تصديرها الينا ، وتمريرها على عقولنا ، ما يستدعي مزيدا من الحذر والانتباه لاننا -اولا واخيرا – المستهدفون والمتضررون منها.. فيما واشنطن وتل ابيب المستفيدان منها وهذا يكفي لوضع الف علامة استفهام حول “ويكيليكس” ووثائقه المغشوشة؟
التاريخ : 05-12-2010
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.