Sources of Obama’s Power and Weakness

<--

يتفق كثير من المؤرخين في الولايات المتحدة‏,‏ علي أن الرؤساء الأمريكيين ينتمون تاريخيا إلي فترات أو مراحل زمنية معينة‏.

‏ بمعني الانتماء إلي عصر الثورة الصناعية‏,‏ أو سنوات الكساد‏,‏ أو إلي عصر الحرب الباردة‏,‏ وصراع البقاء مع الاتحاد السوفيتي‏,‏ ومن بينها فترات تمتد لأجيال ويتشارك في خصائصها عدد من الرؤساء‏.‏

وكان السؤال الذي طرح بينهم أخيرا هو كيف يتم توصيف الفترة التي ينتمي إليها أوباما؟

وأوباما نفسه لم يغفل آراء المؤرخين ودعا مجموعة من مؤرخي الرئاسة إلي عشاء في البيت الأبيض في مايو‏0102,‏ وناقشهم واستمع إليهم وتفكر في تحليلاتهم التي تجمع بين التاريخ والرؤية السياسية المعاصرة‏.‏

كانت نهاية الحرب الباردة عام‏9791,‏ والممتدة لأكثر من خمسين عاما‏,‏ هي مرحلة فاصلة بين عصر وآخر‏,‏ حتي أن لم يبدأ تأثير انتهائها في الحال‏,‏ بظهور ملامح العصر الجديد الذي سيعقبها‏.‏

وعقب انتهاء الحرب الباردة ظلت طروحات النخبة والمفكرين السياسيين تدور في عملية تفاعل واحتكاك إلي أن جاءت فترة أوباما‏.‏

في سنوات الحرب الباردة التي بدأت عقب الحرب العالمية الثانية عام‏5491,‏ وانطلاق استراتيجية احتواء النفوذ السوفيتي عام‏7491,‏ قامت مؤسسات إدارة الشئون العالمية‏,‏ وتركز مركز القيادة في الولايات المتحدة‏,‏ بحكم تفوق قدراتها الإنتاجية‏,‏ والعلمية‏,‏ والتعليمية‏,‏ والاقتصادية والعسكرية‏,‏ وابتكارها المتفرد للمشروعات التي قام عليها عمل النظام الدولي من حلف الأطلنطي‏,‏ وصندوق النقد الدولي‏,‏ والبنك الدولي‏,‏ وكذلك الأمم المتحدة‏.‏

وإن كانت هذه المشروعات قد أطلقت في عهد الرئيس ترومان الذي عرف بمحدودية معرفته بالعالم‏,‏ وجهله بالسياسة الخارجية‏,‏ إلا أن هذه المشاريع‏,‏ كانت من إبداع فكر وصياغة دين أتشيسون وزير خارجيته‏,‏ والذي يوصف في دوائر الدبلوماسية في واشنطن‏,‏ بعميد الدبلوماسية الأمريكية الحديثة‏.‏

في إطار هذا العصر تربت للولايات المتحدة كوادر‏,‏ ومخزون خبرة متراكمة في شئون الاتحاد السوفيتي وإدارة الصراع معه‏.‏

واستندت السياسات الخارجية علي استراتيجية عالمية محكمة البنيان‏,‏ مستلهمة شروط الحكم علي الاستراتيجية بما توفره من أمن لبلدها متضمنة‏:‏

‏1)‏ تحديد مصالح الأمن القومي الحيوية‏.‏

‏2)‏ تحديد ما الذي يهدد هذه المصالح‏.‏

‏3)‏ تحديد أفضل الوسائل لإدارة موارد الدولة العسكرية والسياسية والاقتصادية لحماية هذه المصالح وإضعاف نفوذ الخصم المنافس‏.‏

وجاءت فترة جورج بوش‏,‏ تنسب لنفسها امتلاك ناصية استراتيجية عالمية جديدة‏,‏ أعلنها البيت الأبيض في‏02‏ سبتمبر‏2002‏ تحت اسم مبدأ بوش لكنها سقطت بعد ست سنوات من إعلانها‏,‏ وحكم عليها الأمريكيون‏,‏ بأن بوش واستراتيجيته سقطا ضحايا نظرية لم تستوعب طبيعة التغيير الجاري في العالم‏,‏ وتصورت وهما أن القوة الأمريكية مستمرة بلا حدود‏.‏

وقبل ظهور أوباما علي مسرح الأحداث بثلاث سنوات‏,‏ كانت مراكز صناعة السياسة الخارجية تشغي بالجدل والبحوث التي انتهت إلي أن العالم قد تغير‏,‏ وأن أمريكا أيضا يجب أن تغير سياستها الخارجية‏,‏ لتتعامل مع عالم لن تكون أمريكا فيه محتكرة مركز القيادة والإلهام‏,‏ وأنها لم تعد تستطيع وحدها أن تحل مشاكل وأزمات العالم‏,‏ أو أن تتصدي منفردة للتحديات المستجدة لأمنها القومي‏,‏ لكنها تحتاج إلي تعاون دول أخري‏.‏

وحسب تعبير البروفسور جون جاديس الخبير الأمريكي في شئون الصراع الأمريكي السوفيتي‏,‏ فان السنوات العشر الأخيرة‏,‏ بدأت تظهر انحسار النفوذ الأمريكي‏,‏ وضعف مركزها القيادي تدريجيا‏.‏

وجاء أوباما حاملا أفكارا تعترف بهذا التوجيه للتغيير حتي إن المؤرخين قالوا إن الرئاسة المعاصرة قد لا تكون قادرة علي إحكام قبضتها علي مقاليد القوة‏,‏ وأن ذلك سيكون طابع مرحلة الرئاسة من الآن‏.‏

وربما يكون مصدر قوة أوباما هو نفسه مصدر ضعفه‏,‏ وظهوره في فترة العامين الماضيين‏,‏ أشبه بسفينة تطوح بها أمواج متلاطمة هنا وهناك‏.‏

فأوباما حملته إلي البيت الأبيض حركة مجتمعية كبيرة تطلب تغييرا شاملا وفوريا‏.‏

وفي مواجهتها تيارات ومؤسسات راسخة ترفض التغيير‏,‏ أو الاعتراف بأن أمريكا يمكن ألا تكون القوة الأولي المهيمنة‏,‏ ومركز الإلهام للقيم والأفكار السياسية والاجتماعية‏.‏

فهذا ميراث توارثته أجيال وراء أجيال‏,‏ حتي صار هو نفسه عقيدة‏.‏ وهو ما قال عنه المؤرخ ريتشارد هوفستاد‏:‏ إن أمريكا صارت عند الأمريكيين هي في حد ذاتها العقيدة‏.‏

وكان مصدر ضعف أوباما‏,‏ قد اسهم فيه بقدر كبير‏,‏ اهماله التواصل مع الحركة الجماهيرية التي صنعت قوته والتي دبت في صفوفها مشاعر خيبة الأمل‏,‏ لما اعتبرته ترددا منه في الإقدام علي التغيير الذي توقعته منه‏.‏

وهو ما حدث نتيجة انشغاله بالحرب المعلنة عليه من الجمهوريين في الكونجرس وخارجه‏,‏ ومن تلك المشاكل الداخلية والخارجية التي ورثها عن سلطة بوش‏.‏

ووجد أوباما نفسه في مهب رياح من معارضيه من الجمهوريين واليمين المحافظ‏,‏ وأيضا من قطاع كبير من أنصاره‏.‏

هنا اهتم المؤرخون والخبراء السياسيون بالسؤال‏:‏ هل معني ذلك أن فترة أوباما ستكون مجرد فترة انتقالية‏,‏ أم أنه سيستعيد الإمساك بزمام الأمور وتتحول رئاسته تاريخيا إلي فترة ممتدة؟

الذين اقتربوا من البيت الأبيض للاستطلاع والتحليل يعتقدون أن نجاحه في جذب الزمام إلي يديه‏,‏ رهن ادراكه لاخطائه في فترة السنتين الماضيتين‏,‏ وهو نفسه بدأ يكتشف أن رصيد قوته كان في الحركة التي كان ينبغي ان يتواصل معها‏,‏ لتكون فاعلة‏,‏ وليست برج مراقبة لما يفعله‏.‏

About this publication