لم يكن من الغريب أن تنتشر في العالم العربي الأقاويل حول وجود مؤامرة بين الموساد والمخابرات الأميركية في إظهار ونشر البرقيات السرية للسفارات الأميركية عبر ويكيليكس ، فمن يؤمن بأن هجومَ سمكة قرش على سياح في شرم الشيخ حدث بفعل مؤامرة إسرائيلية لن يستهجن وجود مؤامرة وراء ويكيليكس. وما زاد من حدة النظرية التصريح المتبجح لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو والذي ذكر فيه أن مضمون الوثائق يرسخ ما حذرت منه إسرائيل حول الخطر الإيراني وأن على “القادة العرب أن يقولوا في العلن ما يقولونه في السر”. تبجح نتنياهو والذي بدا وكأنه الشخصية السياسية الوحيدة في العالم التي أبدت سعادة بالوثائق ، عززته مقالات عديدة نشرت في صحف ومجلات أميركية بالذات تدعي بأن الخطر الحقيقي في المنطقة هو إيران وليس الاحتلال الإسرائيلي وأن العالم العربي يبدو مهتما بالحالة الإيرانية أكثر من إصراره على ايجاد حل للقضية الفلسطينية ، داعين الرئيس أوباما إلى عدم بذل جهد كبير في الضغط على إسرائيل بسبب “هامشية” القضية الفلسطينية بالنسبة للعالم العربي.
الصورة إلى حد ما صحيحة ، فهنالك تركيز على الهاجس الإيراني وغياب للشأن الفلسطيني في ويكيليكس ولكن المسألة ليست مؤامرة استخباراتية لأن هذه الوثائق قد وضعت الإدارة والدبلوماسية الأميركية في حرج شديد وربما قضت على مستقبل الكثير من الدبلوماسيين الذين وصفوا بشكل غير لائق القادة السياسيين المحليين أو تدخلوا في شؤون داخلية حساسة. ولكن الوثائق تعكس بدورها أولويات الإدارة الأميركية فقد ركزت على الطلب من دبلوماسييها استقراء الآراء العربية والدولية حول إيران ولم تبذل الجهد الكافي حول الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وتداعيات الاحتلال على أمن المنطقة.
إذا أردنا استخدام هذه الوثائق كمؤشر على توجه الإدارة الأميركية سواء في عهد بوش أو أوباما سنجد أن هنالك تركيزا تاما على إيران وعلى الأوضاع الداخلية لبلدان الشرق الأوسط ، ويوجد تغييب متعمد للمسألة الفلسطينية وهذا ما يثير الإحباط فعلا حيث لم تقم السفارات الأميركية بالجهد المطلوب من أجل إيصال رسائل ومعلومات إستراتيجية حول تطورات الوضع الفلسطيني إلى وزارة الخارجية ما يدل على عدم اهتمام الإدارة الأميركية بهذه القضية مقارنة بالإدعاءات الإعلامية والسياسية.
لقد كانت وثائق الويكيليكس مهمة جدا ليس فقط في الكشف عن معلومات سرية وحساسة في العديد من قارات العالم بل انها ايضا تعكس وبوضوح أولويات الإدارة الأميركية الحقيقية وليس تلك التي يتم التغني بها عبر وسائل الإعلام والخطاب السياسي الأميركي وهي ستسهم في تسليط الضوء على أهم التوجهات الإستراتيجية للولايات المتحدة في السنوات القادمة ويمكن أن تستفيد منها كل دول العالم ومؤسساته المدنية المختلفة في التعامل مع هذه التوجهات مسبقا ، وهذه مسؤولية مطلوبة ايضا من كافة الدول العربية في الاستفادة التامة مما أتاحته هذه الوثائق من إطلاله على طريقة التفكير الأميركية في الدوائر الضيقة في اتخاذ القرار.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.