لعل الموقف الأميركي بعد قانون الاستفتاء الإسرائيلي والمتعلق بمسألة الانسحاب من الجولان، أنه شأن إسرائيلي داخلي، يطرح أمامنا سؤالاً هاماً ألا وهو: هل الولايات المتحدة الأميركية معنية فعلاً بانسحاب إسرائيل من الأراضي السورية المحتلة أم إن لها سياسات ومواقف أخرى؟ إن الإجابة عن هذا التساؤل تتطلب منا الوقوف على مفاصل أساسية في سياسة الولايات المتحدة الأميركية تجاه استمرار احتلال إسرائيل للجولان منذ عام 1967 م حتى يومنا هذا.
أولاً: الموقف الأميركي من العدوان الإسرائيلي عام 1967 م:
إن الموقف الأميركي من احتلال الجولان كبقية الأراضي العربية المحتلة أخذ يتبلور من خلال قرارات مجلس الأمن الأربعة التي صدرت أثناء العدوان الإسرائيلي في حزيران 1967م، بدءاً بالقرار رقم 233 تاريخ 6 حزيران مروراً بالقرار رقم 234 تاريخ 7 حزيران، وانتهاءً بالقرارين الخاصين بالجولان، وهما القرار رقم 235 تاريخ 9 حزيران، والقرار رقم 236 تاريخ 11 حزيران، وكذلك من خلال القرار 242 الذي صدر في 22 تشرين الثاني 1967م. فهذه القرارات لم تنظر إلى مشروعية الأعمال القتالية أو عدم مشروعيتها، وكذلك لم يرد بها أي إشارة إلى كلمة اعتداء أو حتى مجرد الشجب، والأخطر من ذلك فإن القرارات الأربعة التي صدرت أثناء العمليات القتالية لم تتضمن الدعوة للانسحاب الفوري إلى المواقع التي كانت ترابط بها القوات المتحاربة قبل الخامس من حزيران عام 1967 م وذلك في سابقة خطيرة من جانب منظمة الأمم المتحدة، فتلك القرارات اقتصرت على الدعوة إلى وقف إطلاق النار، أما القرار 242 فهو بمثابة صياغة سياسية للتسوية تضمنت عدة أحكام، من بينها انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلت في النزاع الأخير. بالإضافة لما تقدم، فإن هذه القرارات صدرت وفقاً للفصل السادس من الميثاق، ولم تصدر استناداً للفصل السابع، وقد كان للولايات المتحدة الأميركية دور رئيسي في إخراج هذه القرارات على هذا النحو، وذلك بهدف استبعاد تطبيق تدابير الأمن الجماعي التي نصت عليها المادتان 41 و42 من ميثاق الأمم المتحدة في هذا العدوان، ومن ثم تأمين الحماية لإسرائيل.
ثانياً: تصريحات ووثائق رسمية
إن الموقف الأميركي المتقدم، ولاسيما من استمرار احتلال إسرائيل للجولان وعدم الانسحاب منه، تعزز بشكل أكبر من خلال التصريحات والوثائق والتقارير الرسمية، ويمكن التدليل على ذلك بالآتي:
* تصريح كل من الرئيسين ريتشارد نيكسون عام 1967م وجيمي كارتر عام 1973م، حيث أكدا عدم التنازل عن الجولان حتى مقابل السلام.
* الوثيقة الخطية المؤرخة عام 1975 م من الرئيس الأميركي جيرالد فورد لرئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إسحاق رابين، والتي تضمنت تعهداً أميركياً بعدم الاعتراض على الموقف الإسرائيلي المطالب بالبقاء في الجولان، حتى لو التقت إسرائيل وسورية حول طاولة المفاوضات.
* التقرير الصادر عن لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي عام 1975م، حيث برر عدم إعادة الجولان إلى سورية بالخطر الحقيقي الذي يمكن أن تتعرض له إسرائيل إذا انسحبت من الجولان إلى خطوط 1967م، حيث سيكون من السهل احتلال المنطقة الشمالية (الحولة والجليل).
ثالثاً: الموقف الأميركي
من ضم الجولان عام 1981م
لعبت الولايات المتحدة الأميركية دوراً جوهرياً في إفشال مجلس الأمن من القيام بمهمته الأساسية المتمثلة في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وحدث ذلك عندما طُرح مشروع قرار على المجلس، تضمن اتخاذ إجراءات بموجب الفصل السابع من الميثاق، كانت سورية قد أعدته وقدمه الأردن بصفته ممثل المجموعة العربية حينها، وذلك رداً على رفض إسرائيل الانصياع إلى القرار رقم 497 الذي أصدره المجلس يوم 17/12/1981 م (أي بعد ثلاثة أيام من قرار الكنيست الإسرائيلي بضم الجولان في 14/12/1981 م) والذي أكد فيه على بطلان القرار الإسرائيلي بضم الجولان، وقرر أنه في حال عدم امتثال إسرائيل لهذا القرار فإن المجلس سيعقد جلسة طارئة في موعد لا يتعدى الخامس من كانون الثاني 1982 م للنظر في اتخاذ الإجراءات المناسبة وفقاً لأحكام ميثاق الأمم المتحدة. وقد أبدت أغلبية الدول تأييدها لهذا المشروع، باستثناء الولايات المتحدة التي أكدت، ومن خلال مندوبها في المجلس، رفضها له، وعندما طرح للتصويت استخدمت الولايات المتحدة حقّ النقض، وأدى بالنتيجة إلى سقوط مشروع القرار. وبهذا الموقف فإن المجلس أخفق في إصدار قرار يعاقب إسرائيل على إجرائها العدواني، ولولا استخدام الولايات المتحدة حق النقض لكانت مجريات الأحداث مختلفة، ولاسيما أن المجلس لم يستخدم سلطاته كافّة، والتي لو استخدمت لكان من المؤكد إنهاء إسرائيل لهذا العدوان على الأقل.
رابعاً: الموقف الأميركي من قانون الاستفتاء الذي أصدره الاحتلال أواخر العام الفائت
عدَّت الولايات المتحدة الأميركية قانون الاستفتاء الذي أصدره الاحتلال في تشرين الثاني من عام 2010م مسألة داخلية، بخلاف مواقف مختلف دول العالم، ولاسيما القوى الكبرى، روسيا والصين وفرنسا… التي اتخذت مواقف منددة بالقانون الإسرائيلي، ومؤكدة مخالفته للقانون الدولي. وهذا الموقف من جانب واشنطن وإن كان امتداداً للمواقف الأميركية السابقة إلا أنه يمثل وفي تقديرنا، تطوراً أكثر خطورة في دعم استمرار احتلال إسرائيل للجولان ومحاولة شرعنة إجراءاتها العدوانية. فقانون الاستفتاء الإسرائيلي بشأن الجولان قانون باطل وملغى ولا قيمة قانونية له، وهو يشكل انتهاكاً جسيماً للقانون الدولي الذي لا يجيز ضم أراضي الغير عن طريق الاحتلال العسكري، ويؤكد بطلان هذا الإجراء وعده عملاً عدوانياً، ومن ثم فإن إسرائيل بإقرارها لقانون الاستفتاء ومن قبله قانون الضم تكون قد ارتكبت عدواناً جديداً ليس بحق سورية فحسب بل بحق المجتمع الدولي بأسره، ويستتبع ذلك تحمل إسرائيل المسؤولية الدولية الكاملة عن هذا الانتهاك الجسيم للقانون الدولي. والمسؤولية الدولية في هذا العدوان لا تقتصر على إسرائيل، وهي الفاعل الأساسي بل تتعدى ذلك لتشمل المساهمين معها، ولاسيما الشركاء الذين ساهموا بشكل مباشر في هذا العدوان، وهو ما ينطبق تماماً على الولايات المتحدة الأميركية عندما عدت قانون الاستفتاء شأناً إسرائيلياً داخلياً منتهكة بذلك القانون الدولي، ويترتب على هذا الموقف الأميركي نتيجتان أساسيتان، الأولى: أن الولايات المتحدة الأميركية شريكٌ مباشرٌ في العدوان الإسرائيلي. أما النتيجة الثانية، فهي: أن الولايات المتحدة الأميركية لم تعد تتعامل مع الجولان وكأنه أرض محتلة. وهاتان النتيجتان تدفعنا لقراءة الواقع الحالي للصراع العربي الإسرائيلي وما طرأ عليه من تطورات خطيرة، وذلك بغية تحري المخاطر المحيطة به والعمل على إبعادها، وكذلك إعادة النظر في دور الولايات المتحدة الأميركية في هذا الصراع، وهل مازالت مؤهلة فعلاً لرعاية التسوية بمفردها، أم إن هنالك حاجة ملحة لإشراك قوى دولية أخرى، فاعلة ومؤثرة إلى جانبها، وذلك ضماناً لحقوقنا المغتصبة.
عضو الرابطة السورية للأمم المتحدة
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.